وضع داكن
17-09-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 008 أ - اسم الله الشاكر 1
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 

الشاكر اسم من أسماء الله الحسنى:


أيها الإخوة الأكارم، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم الشاكر، فقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في موضعين، الموضع الأول قوله تعالى:

﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)﴾

[ سورة البقرة ]

والموضع الثاني:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)﴾

[ سورة النساء ]

ولم يرد هذا الاسم في السنة المطهرة، يُفيد المدح والثناء، مراداً به العلميّة، دالاً على كمال الوصفية.
 

حقائق بين يدَي اسم الشاكر:

 

الحقيقة الأولى: الإحسان إلى المخلوق جزاؤه دنيوي وأخروي:

أيها الإخوة؛ الحقيقة الأولى في هذا الموضوع: ما من إحسان يُقدَّم إلى مخلوق كائناً من كان أو كائناً ما كان، ما من إحسان يُقدم إلى مخلوق عاقل أو غير عاقل إلا سيكافئه الله لمن أحسن هذا الإحسان في الدنيا أو في الآخرة، أي ما أحسن عبدٌ من مسلم أو كافر إلا وقع أجره على الله في الدنيا أو في الآخرة، أي ومستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تُقدِّم عملاً طيباً لأيّة جهة في الأرض، لأيّ كائن في الأرض، ثم لا تجد من الله مكافأة؛ إن في الدنيا أو في الآخرة.
أيها الإخوة الكرام؛ هذه الحقيقة الأولى، لأنك إذا تلقيت معروفاً من إنسان، ولأنك مؤمن، ولأنك على شيء من الكمال لا تملك إلا أن تشكره، لا تملك إلا تبتسم له، لا تملك إلا أن تمتنّ منه، لا تملك إلا أن تثني عليه، فكيف بصاحب الكمال المطلق؟ فكيف بخالق السماوات والأرض؟ فكيف بالذي هو صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى.
أيها الإخوة الكرام؛ هذه أول حقيقة، أي إذا أحسنت إلى مخلوق ما، كائناً بشرياً أو إلى حيوان أو إلى نبات هذا الإحسان محفوظ عند الله، تُكافَأ عليه في الدنيا أو في الآخرة أو في الدنيا والآخرة، لا يضيع عند الله شيء، هذه الحقيقة الأولى في هذا الاسم العظيم.
 

الحقيقة الثانية: كيف يشكرك الله عز وجل؟


الحقيقة الثانية، أنت حينما يُقدّم لك معروف تشكر بلسانك تقول له: شكراً، جزاك الله خيراً، الإله العظيم إذا قدمت إلى أحد عباده معروفاً، تعرفه أو لا تعرفه، عرف أو لم يعرف، سيدنا عمر مرة جاءه رسول من نهاوند، وحدثه عن المعركة، ثم قال هذا الرسول: يا أمير المؤمنين مات خلْقٌ كثير، قال له: مَن هم؟ قال: إنك لا تعرفهم، فبكى عمر وقال: وما ضرهم أني لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهم؟ لا يمكن أن يضيع عند الله شيء، مهما تصورت العمل قليلاً أو صغيراً، أو مهما قيّمته تافهاً عند الله محفوظ، هذه الحقيقة الأولى، أنت إذا أُسدِي إليك معروف تشكر بلسانك، أو تمتنّ بقلبك، أو تُقدم له مكافأة، أو هدية، أو عمل، أو تقدم له خدمة، الإله العظيم صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى كيف يشكرك؟ جاءت الآية لتبين بالتعبير المعاصر آلية الشكر، قال تعالى:

﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)﴾

[ سورة إبراهيم ]

الزيادة إما من نوع الذي قدمته، قدمت مالاً، فالله عز وجل شُكْره لك أن يزيد لك مالك، قدمت له وقتاً، شُكر الله لك أن يبارك في وقتك، قدمت له من جهدك، شُكْر الله لك أن يُسَخّر من يقدم لك جهداً، أي مستحيل أن تفعل معروفاً دون أن ترى الجزاء.
 

معنى الزيادة في قوله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ :

 

المعنى الأول أن الله يعلم المحسن ويُخلف عليه مالَه:

أيها الإخوة، لو أخذنا المال مثلاً، إن قدمت مالاً فالله عز وجل يشكرك بأن يزيد في مالك، والآية التي تصدق على كل حالات الشكر: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ لذلك قال تعالى:

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)﴾

[ سورة البقرة ]

عبدي:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ» . وَقَالَ: «يَدُ اللَّهِ مَلأَى لا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ». وَقَالَ: «أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ». ))

[ صحيح البخاري ]

(( عن أبي هريرة: أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم دخل على بلالٍ وعنده صُبْرَةٌ من تَمْرٍ، فقال: ما هذا يا بلالُ؟ !، قال: شيءٌ ادَّخَرْتُهُ لِغَدٍ، فقال : أَمَا تَخْشَى أن تَرَى له غَدًا بُخَارًا في نارِ جهنمَ يومَ القيامةِ ؟ ! أَنْفِقْ بلالُ ! ولا تَخْشَ من ذِي العرشِ إِقْلالًا. ))

[ هداية الرواة: خلاصة حكم المحدث : صحيح بمجموع طرقه ]

لكن أنت لاحظ الإنسان عندما يذهب إلى مريض ومعه هدية؛ دون أن يشعر حريص حرصاً بالغاً أن يضع بطاقة في داخل الهدية ليتأكد أنهم إذا فتحوا هذه الهدية يرون مَن الذي أرسل هذه الهدية، أي أنت حريص على أن يعلم مَن قدمت له الهدية أنها منك، فلا تكتفي أن تعطيها لابنه، ولا تكتفي أن تضع البطاقة على ظاهر الهدية فقد تسقط، تضعها في داخل الهدية كي تتأكد أن الذي قُدِمَت له هذه الهدية عرف من أين جاءته، الله عز وجل يقول:

﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270)﴾

[ سورة البقرة ]

طمأنك الله عز وجل، أيّ عمل صالح تقدمه لمخلوق كائناً مَن كان هو في علم الله، ومع الله لا تحتاج إلى بطاقة أبداً؛ هذا العمل من فلان، ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ هذه الحالة الأولى، أنت بحاجة إلى أن تتأكد أن هذا العمل الذي قمت به بعلم الله، والإنسان كما قال الله عز وجل يُحبّ المال: 

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)﴾

[ سورة آل عمران  ]

في أصل كيانك فُطرتَ على حبّ المال، والبشر جميعاً من دون استثناء يحبون المال، لكن بعضهم يُصَرّح، وبعضهم لا يُصرّح، لكن الذي لا يُصرّح هو يحب المال كالذي يُصرّح، هذه جِبِلّة فينا، ولأننا نحب المال كان إنفاق المال عملاً ثميناً، تنفق شيئاً تحبه.
 

الطبع والتكليف:


كما تعلمون الإنسان جُبِلَ على طبع، ومعه تكليف، طبعه أن يأخذ المال، والتكليف أن ينفقه، طبعه أن يبقى نائماً، والتكليف أن يستيقظ، طبعه أن يملأ عينيه من محاسن النساء، والتكليف أن يغضّ البصر، طبعه أن يخوض في فضائح الناس، والتكليف أن يسكت، فلذلك الله عز وجل يقول لك: 

﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)﴾

[ سورة سبأ ]

﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ هؤلاء الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ألا تكفيهم هاتان الآيتان؟ الله يعلم وهو يُخْلِف، وما نقص مال من نفقة، وما نقص مال من صدقة: ((عبدي أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ)) ، ((أنفق بلال، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا)) ، 

(( عن عبد الله بن جعفر وأبي سعيد الخدري وابن عباس وعمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وأم سلمة وأبو أمامة ومعاوية بن حيدة: صَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ.  ))

[ السلسلة الصحيحة: خلاصة حكم المحدث :صحيح بمجموع طرقه ]

الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير، باكروا بالصدقة، فإن البلاء لا يتخطاها، والقصص التي تُروى في هذا الموضوع واللهِ لا تُعدّ ولا تحصى، حتى إن المؤمن ليخجل من الله، سيدنا عبد الرحمن بن عوف من كبار الصحابة، كان ذا مال وفير، مرة بلغه أنه سوف يدخل الجنة حبواً، قال: والله لأدخلنها رملاً، وما عليّ إذا كنت أُنفق مئة في الصباح فيؤتيني الله ألفاً في المساء؟ ((أنفق بلال، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً)) إذاً الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله أنا أتمنى عليكم أن تسألوا محسناً عما حصل له بعد إنفاق المال، يا بني! العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، الإنسان يحرسه الله بالعلم، لكن المال إذا أنفقته في الحسابات، في الآلة الحاسبة يقلّ، لكن برحمة الله يزيد، فلذلك نحن قد نُغْفِل في حياتنا حسابات البركة، إذا أنفق الإنسان ماله بارك الله له في ماله، الحد المعقول أنه يرزقه رزقاً سلبياً، ما هو الرزق السلبي؟ الحد الأدنى أنه يحفظه من أمراض وبيلة، من ظُلم ظالم، من مصادرات، من مخالفات، من بطش الأقوياء، من تدمير، من حريق، من خراب، هذا رزق سلبي، أحياناً الإنسان الله عز وجل يبارك له في ماله، أي بمال معقول يحقق أهدافاً كبيرة جداً، هذا من مكافأة الله للمحسن، يحفظه، ويبارك له في ماله.
 

بواعث إنفاق المال:


أيها الإخوة؛ هذان باعثان لإنفاق المال، أن الله يعلم، وأن الله يُخلِف على المُنفق ماله، أي يضاعف له هذا المال أضعافاً كثيرة، دائماً ممكن أن تتعامل مع الله بآيات القرآن الكريم، ويمكن أن تتعامل معه بطريقة عملية، فإذا اقتربت منه بنفقة كافأك مكافأة كبيرة. 
والله مرة حدثني أخ توفي أحد أقربائه فزار أولاده، وقال لهم: دَيْن أبيكم عليّ، لكنه لا يعلم كم الدين، وهذا خطأ منه، توقعه بعشرات الألوف، فإذا هو بمئات الألوف، أقسم لي بالله دفع مبلغاً قريباً من أربعمئة ألف ليرة بالتمام والكمال، وحدثني عن قصته في الجامع، في صحن المسجد وبكى، قال لي: والله بعد أيام جاءني مبلغ من صفقة لبضاعة كاسدة نصيبي من هذه الصفقة المبلغ الذي دفعته، أحيانا تتعامل مع الله بالتعامل اليومي: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ ، ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ هذه الحقيقة الأولى، أي شُكْر الله لك، الله شاكر، شُكْر الله لك إذا أنفقت من مالك أنه يزيد لك مالك أبداً، ما نقص مال من صدقة، ((أنفق بلال، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا)) ، ((يا عبدي، أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ))
 

المعنى الثاني أن أيّ عمل صالح تجاه أيّ مخلوق هو قرض لله حسن:


المعنى الثاني أيها الإخوة، أيّ عمل صالح تجاه أيّ مخلوق كائناً من كان هو قرض لله حسن، وهناك آية قرآنية الذي يقرؤها من المؤمنين يقشعرّ جلده:

﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)﴾

[ سورة البقرة ]

الله عز وجل عدّ أيّ عمل صالح، ولو تجاه حيوان، ولو تجاه نبات، سقيت النبات، هذا العمل يُضَاعف لك جزاؤه أضعافاً كثيرة، فأنت مُعَرّض كل يوم أن تُقرِض الله قرضاً حسناً، هذا معنى دقيق جداً، الإله العظيم يقول لك: يا عبدي أقرضني، اعتنِ بهذا المخلوق، أطعم هذا الجائع، اكسُ هذا العاري، عالج هذا المريض، هناك أصحاب حرف مؤمنون يقدمون جزءاً من خبراتهم لوجه الله. 
 

أبوابُ العمل الصالح لا تعدّ ولا تُحصى:


حدثني طبيب أسنان جاءته مريضة تحتاج إلى تقويم لأسنانها، وهي معلمة، ودخْلها محدود جداً، والمبلغ فوق طاقتها، فبعد أن اعتذرت عن متابعة المعالجة للرقم الكبير ناداها، قال: هل تقبلين هذا التقويم هدية مني؟ يقسم لي بالله العظيم أمضى ستة أشهر وكأنه في الجنة.
أحيانا هناك مكافأة من نوع ثانٍ، الله يكافئك بسعادة، بطمأنينة، غير المكافأة المادية، أنت مفطور على حبّ وجودك، وعلى حبّ سلامة وجودك، وعلى حبّ كمال وجودك، وعلى حبّ استمرار وجودك.
دققوا أيها الإخوة؛ سلامة وجودك بطاعة الله، والطاعة الاستقامة، والاستقامة سلبية، والاستقامة تسبقها ماءات، جمع ما، ما أكلت مالاً حرامًا، ما كذبت، ما غششت، كلها ماءات، الاستقامة تُحقق لك السلامة، أما كمال الوجود لا تكفيه الاستقامة، يحتاج إلى بذل، بذل من وقتك، من مالك، من خبرتك، كمال الوجود يحتاج إلى بذل، إلى عطاء، من وقتك، من مالك، من خبرتك، لذلك:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾

[ سورة الكهف ]

أضرب مثلا لعلّي أذكره كثيراً، مجنَّد غِرّ التحق بقطعة عسكرية، القطعة جزء من لواء كبير، أو من فرقة كبيرة على رأسها لواء أركان حرب، هذا الجندي الغر لا يمكن أن يستطيع الدخول على هذا اللواء الكبير بحكم التسلسل العسكري، لكن هذا المجند الغر الذي التحق منذ أسبوع بإمكانه أن يدخل على اللواء أركان حرب من دون إذنٍ، إذا وجد ابنه يسبح، وكاد يغرق فألقى بنفسه في الماء وأنقذه، فهْمكم كفاية.
إذا خدمت إنساناً، أطعمت جائعاً، كسوت عارياً، لبَّيت حاجة إنسان، أنت موظف، جاءك مراجع من محل بعيد، ونفقة الإقامة غالية جداً، وجمّدت أعمالك كلها وخدمته، مستحيل أن يضيع هذا عند الله، فلذلك صنائع المعروف تقي مصارع السوء، إذاً أيّ عمل تُقدمه لأيّ مخلوق يُعدّ قرضاً حسناً لله عز وجل: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ أنت مُعرّض كل يوم إلى تلبية حاجات الناس، سائل سألك، مريض استعان بك، إنسان ضال في الطريق قال لك: أين بيت فلان؟ وهو غريب، فأَعَنته على الوصول إلى البيت، والقصص والله يا إخوان لا تعد ولا تحصى. 
والذين تعاملوا مع الله ذاقوا من الله المكافأة، المكافأة النفسية بالسكينة، والمكافأة المادية بالعطاء والتوفيق، لذلك حينما يكون الإنسان محسناً، وتأتيه الخيرات من كل جانب، هذا بسبب إحسانه، وأنت مهمتك في الحياة أن تعبد الله، ثم أن تشكره، لأنك إن عبدته سوف تأتي الخيرات من كل جانب.

﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)﴾

[ سورة الزمر ]

تنتهي مهمتك أن تعبده العبادة الصحيحة الصادقة، والعبادة الصحيحة الصادقة جزء منها العمل الصالح، والكلام الدقيق: حجمك عند الله بحجم عملك الصالح.
 

المؤمن عاداته عبادات والمنافق عباداته سيئات:


اسأل نفسك: ماذا قدمت للأمة؟ قدمت لها صناعة متقنة بسعر معتدل، صار عملك عبادة، لذلك قالوا: العمل الذي ترتزق منه إذا كان في الأصل مشروعاً، وسلكت به الطرق المشروعة، وابتغيت منه كفاية نفسك وأهلك، وخدمة الناس، هذا العمل الحرفي المهني الذي ترتزق منه إذا كان في الأصل مشروعاً، وسلكت به الطرق المشروعة، وابتغيت منه كفاية نفسك وأهلك، وخدمة الناس عامة، والمسلمين خاصة، هذا العمل لم يشغلك عن طاعة، ولا عن أداء صلاة، ولا عن طلب علم، انقلب إلى عبادة، لذلك المؤمن عاداته عبادات، والمنافق عباداته سيئات، عباداته الخالصة، صلاته يرائي بها، المؤمن عاداته، أحواله المعيشية، جاء بطعام لبيته، أخذ أهله إلى نزهة، تُسجّل عند الله عبادة، لأن هدفه إرضاء الله عن طريق خدمة عباده. 
لذلك أيها الإخوة الكرام؛ أي عمل صالح يُقَدّم لأي مخلوق كائناً من كان هو عند الله قرض حسن لله، إذا ملِكٌ، أغنى ملوك الأرض قال لمواطن فقير: أقرضني مئة ليرة، ماذا تفهم منها؟ أراد أن يعطيه بيتاً، بيتا كاملا، أراد أن يكون لهذا العطاء سبب، أقرضني مئة ليرة؟ ماذا تفهم منها؟ أراد أن يعطيه بيتاً كاملاً، أراد أن يكون لهذا العطاء سبب، قال له: أقرضني مئة ليرة؟ هل هذا القرض حقيقي؟ أراد من هذا القرض أن يمتحن محبته، وأن يكافئه على هذا القرض بمنزل فخم جداً، هدية، ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ .
 

العمل الصالح مهما توهمته صغيراً هو عند الله كبير:


الآن أحياناً يكون العمل صغيراً أمامك، وأنت تتوضأ على المغسلة، عليها نملة صغيرة بإمكانك ألا تهتم فتُغرق النملة فانتظرت حتى خرجت، أنقذت نملة هذا عند الله عمل صالح، الدليل:

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)﴾

[ سورة الزلزلة ]

هذا عمل صالح وله عند الله أجر، لو وجدت قشة صغيرة  في المسجد طولها عبارة عن اثنين ميلمتر وضعتها في جيبك، أنا أقدم شيئاً صغيراً جداً، قال تعالى:

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾

[ سورة الزلزلة ]

تبسمت في وجه موظف عندك، فقط ابتسامة، سألته عن أحواله، كيف حالك يا بني؟ إن شاء الله مرتاح؟ فقط، هناك موظف عبوس قمطرير، يدخل إلى مكتبه له هيبة وكهنوت، وهناك مدير عام متواضع، فإذا ابتسمت في وجه من يعمل معك، إذا ابتسمت في وجه خادم عندك، سألته عن صحته، تبسمك في وجه أخيك صدقة، أن تميط الأذى عن الطريق هو لك صدقة، مهما توهمت العمل صغيراً فهو عند الله كبير، فلذلك جاء أعرابي النبيَّ عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله عظني ولا تُطل؟ فتلا عليه هذه الآية: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ قال: كُفيت، فقال عليه الصلاة والسلام: فَقُه الرجل، أي صار فقيهاً، ما قال: فَقِهَ، فَقِهَ عرف الحكم، قال فَقُه، أي أصبح فقيهاً.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور