وضع داكن
24-06-2025
Logo
مدارج السالكين - الدرس : 050 - العزيمة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

أصناف الخلق:


أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الخمسين من دروس مدارج السالكين، في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، والقرآن كله جُمِع في الفاتحة، والفاتحة جمعت في إياك نعبد وإياك نستعين، فالهدف هو العبادة، والوسيلة هي الاستعانة، ومن عبد الله واستعان به فقد حقق المراد من خلقه، والعباد كما تعلمون أصناف أربع، صنف عبدوا الله واستعانوا به، وهؤلاء الخيرة من خلقه، وصنف ما عبدوا وما استعانوا، وهؤلاء شِرار الخلق، وصنف عبدوه ولضعف توحيدهم ما رأوا أن يد الله تعمل وحدها، وأن الأمر كله بيد الله، وأن الأقوياء عصيّ بيد الله، فعبدوه وما استعانوا به، فكل ما أصابهم من ضعف بسبب ضعف توحيدهم، وبالتالي ضعف استعانتهم، والصنف الرابع استعان به ولم يعبده، والله عز وجل يُمِدّ كلاً من هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً عن أحد. 
 

الغفلة عن الله أخطر مرض يصيب الإنسان:


أيها الإخوة؛ بينت في درس سابق أن أخطر مرض يصيب الإنسان هو الغفلة عن الله، الغفلة عن مصيره الأبدي، الغفلة عن طاعته، الغفلة عن معرفة أمره ونهيه، الغفلة عن معرفة ما ينتظر الإنسان من عقاب أليم إلى أبد الآبدين إذا خرج عن منهج الله رب العالمين، هذه الغفلة علاجها اليقظة، وقد أمضينا درساً في منزلة اليقظة، فاليقظة دواء الغفلة، وبعد اليقظة تبدأ الفكرة، والتفكر طريق إلى الله، قال تعالى: 

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾

[ سورة آل عمران ]

وحينما تصحّ الفكرة ينتقل الإنسان بعدها إلى البصيرة، أفكاره والحقائق التي استقرت تتجمع في بصيرة، في رؤية، لذلك أهل الخبرة أهل بصيرة، كأنهم يرون الحقائق، أحد أصحاب رسول الله قال للنبي عليه الصلاة والسلام: كأنني أرى أهل النار يتصايحون، وأهل الجنة يتنعمون، أي إذا وجدت إنساناً ينغمس في المعاصي والآثام، وفي أكل المال الحرام، وفي المُتع المحرمة، ويأخذ من المخدرات، ويشرب، ويرتكب الفواحش، لرؤية تملِكها تقول: هذا له مصير وخيم، هذا سيدمر، أنت لا تعلم الغيب، ولكنك ترى الأسباب، وتعلم أن هذه الأسباب تؤدي إلى نتائج، فالبصيرة أيها الإخوة كما قلنا في درس سابق بصيرة في أسماء الله الحسنى، وفي الوعد والوعيد، وفي الجنة والنار.
 

منزلة العزيمة:


اليوم هو المقام الذي يلي البصيرة، اليقظة، فالفكرة، فالبصيرة، اليوم العزيمة، كل شيء أصبح واضحاً، كل شيء أصبح جلياً، الأمور واضحة جداً، ما بقي إلا أن تتحرك، أن تقوم، أن تُشمّر، قال تعالى:

﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)﴾

[ سورة الذاريات ]

﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)﴾

[ سورة الصافات ]

شمّروا فإن الأمر جد، وتأهبوا فإن السفر قريب، وتزودوا فإن السفر بعيد، وخففوا أثقالكم فإن في الطريق عقبة كؤود، يا أبا ذر جدد السفينة فإن البحر عميق، وأخلص النية فإن الناقد بصير، وأكثر الزاد فإن السفر طويل.
أيها الإخوة؛ لا يوجد إنسان يدرك أن بيته يحترق ويبقى جالساً، ينتفض من فراشه ليطفئ الحريق، أرأيت إلى هذه الحركة؟ ينتفض من فراشه ليطفئ الحريق، لا يوجد إنسان يكتشف أن ابنه مصاب بمرض يمكن شفاؤه، ولكنه خطير، إلا ويلغي كل مواعيده، يلغي كل أعماله، ويهبّ من رقدته ليعالج ابنه، رأيت شيئاً في المطار تعلمت منه شيئاً آخر، الطائرة بعد أن يتمّ ركابها، وتُغلق أبوابها، تتحرك ببطء، ببطء شديد، تسير وتقف، تقف وتسير، إلى أن تقف على أول المدرج، فإذا أخذت الإذن بالطيران اندفعت بسرعة عجيبة، تزيد عن ثلاثمئة كيلو متر في الساعة، هذا الإقلاع، المؤمن يشبه الطائرة، يسمع، يناقش، يعترض، يقنع، لا يقنع، يغير المسجد، يقرأ كتاباً، إلى أن تستقر عنده الحقائق، إلى أن تتضح عنده الأمور، إلى أن يرى الطريق واضحاً، إلى أن يرى أن المغنم كبير، إلى أن يرى أن الخطر جاثم، لذلك يُقْلِع، هذا الإقلاع، فإذا أقلع وحلّق في الجو حقق الهدف الأكبر، إلى متى؟ قال تعالى: 

﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)﴾

[ سورة الحديد ]

إلى متى أنت باللذات مشغول                  وأنت عن كل ما قدمت مسؤول

[ البوصيري ]

* * *

متى الإقلاع؟ متى تترجم القناعات إلى سلوك؟ متى تترجم القناعات إلى حركة؟ إلى عطاء؟ قال بعضهم: ما إن يستقر الإيمان في قلب الإنسان حتى يُعبِّر عن ذاته بذاته بحركة نحو الخلق، أي لا يوجد مؤمن سكوني، ليس هناك مؤمن سكوني، المؤمن حركي، المؤمن فاعل، حالة الانفعال الدائمة لا تليق بالمؤمن، هو يُغيّر، يُبدّل، يتدخل، يأمر بالمعروف، ينهى عن المنكر، يُقنع أهله، يُقنع أولاده، يُقنع زملاءه، يُقنع جيرانه، هذا حال المؤمن، حالة حركة، ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾ ، ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي﴾ هل قالها أحدنا؟ قال تعالى: 

﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)﴾

[ سورة التكوير ]

هذا يذهب ليُحَقق مكسباً دنيوياً، وهذا يذهب ليسهر سهرة لا تُرضي الله، وهذا يذهب ليقيم دعوى على فلان، وهذا يذهب يبحث عن رزق، أما هل رأيت إنساناً يذهب إلى الله؟ يرتاد بيوت الله؟ يقرأ القرآن؟ يتفهم كلام الله؟ يبحث عن سنة رسول الله؟ هذه الحركة الجادة، أي يقظة، فكرة، بصيرة، عزيمة، هؤلاء الذين يتسابقون حينما يصلون إلى المنطلق كيف ينطلقون؟ بسرعة مذهلة، نحن في سباق أيها الإخوة، قال تعالى: 

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)﴾

[ سورة البقرة ]

قال تعالى: 

﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)﴾

[ سورة آل عمران ]

 

قصة تائب:


أخ قال لي: أمضيت جُلّ عمري شارداً عن الله، قال لي: والله ارتكبت معاص كبيرة، فجأة أصبت بمرض، والمرض مميت، وأنا في غرفة العمليات، قلت له: يا رب، أتريد أن ألقاك عارياً؟ أتسمح لي أن أبقى أياماً معدودات ألقاك بقميص؟ أي بعمل صالح أستر به عورتي، ناجاه وبكى، الله عز وجل أعطاه فرصة، وخرج من المستشفى، والله يحضر درس الفجر، والظهر، والمساء، والجمعة، والسبت، والأحد، والاثنين، قال لي: يوجد ثلاثة أيام لا أحتمل من دون دروس، قال لي: في مرة وأنا أناجي ربي، قال: ناجاه فقال له: يا رب، كل هذه السعادة بالقرب منك لِمَ لَم ترسل إليّ هذا المرض قبل عشر سنوات؟ هذا المرض هو السبب. 
 

التعريف بلبيك اللهم لبيك:


الآن الحديث عن الحج، الحاج يقول: لبيك اللهم لبيك، ما معنى لبيك؟ لبيك تعني أنه قد سبقها نداء، تعال إليّ يا عبدي تعال، تعال إلى بيتي الحرام، تعال إلى بيتي الحرام لتذوق طعم القرب، تعال إلى بيتي الحرام لتُزيح عن كاهلك هموماً كالجبال، تعال إلى بيتي الحرام واخرج من حياتك الرتيبة المملة، تعال إلى بيتي الحرام لترى عظيم إكرامي إليك، الجواب: لبيك اللهم لبيك، لبيك جواب تعال إليّ، تعال إليّ حتى أكرمك، هذا الجوهر في الدين، جوهر القرب من الله ضعيف، هناك مظاهر صارخة، جامع رائع جداً، زخرفة رائعة جداً، لكن نحن نريد زخرفة القلوب من الداخل، نريد قلباً مستنيراً، نريد قلباً موصولاً بالله عز وجل، قلباً منيباً، قلباً سليماً، نريد حباً، نريد وداً مع الله، نريد اتصالاً، نريد أن نفتح خطاً ساخناً مع الله، ارفع السماعة إن لم يكن الخط موصولاً، مهما ضغطت الزر فهذا غير مفيد، كتلة لا معنى لها، الهاتف من دون خط حامٍ مهما كان أنيقاً كتلة من البلاستيك لا معنى لها إطلاقاً، لكن قيمة هذا الجهاز هي أنك إذا رفعت السماعة تسمع ونة، الخط حامٍ، يوجد خط ساخن. 
 

لحظات السعادة عند الإنسان:


قال لي رجل: بقي لي خمسة وثلاثون عاماً ولم أسجد لله، ولم أصم يوماً، ولم أؤد طاعة، قال لي: دعتني أختي إلى زيارة كندا، هي في كندا، دعتني عشر سنوات متتالية، لبيتها في السنة العاشرة، وأنا في طريقي إلى نياغارا شلالات جميلة جداً أسمعتني شريط المهيمن من أسماء الله الحسنى، قال لي: والله سمعته مرات عديدة، وأخذت كل ما عند أختي من أشرطة عن أسماء الله الحسنى، وعرفت أن الدين شيء عظيم، صار يجمع هذه الأشرطة حتى بلغت ألف شريط، وقد سمعها كلها، قال لي: فتحت مع الله خطاً ساخناً، قال لي: أسعد لحظات حياتي حينما آتي إلى البيت لأصلي، لأصلي قيام الليل، قال لي: انقلبت حياتي من الجحيم إلى النعيم، من الشقاء إلى السعادة، من الضياع إلى الوجدان، بعد أن اتّصل بالله عز وجل، هذا الدين، الدين أن تعرف الله، الدين أن تحبه، الدين أن تتصل به، أن يستنير قلبك بنوره. 
 

من يشتدّ عزمه كل عقبة تحول بينه وبين الله يرفضها:


الذي يعنينا الآن هذه العزيمة الحركة، ماذا فعلت من أجلي؟ قناعات ممتازة، عاطفة إسلامية، خلفية إسلامية، أرضية إسلامية، اتجاه إسلامي، شعور إسلامي، اهتمامات إسلامية، مكتبة إسلامية، حتى متى إذاً؟ متى سيكون هناك حركة إسلامية؟ متى تستطيع أن تقول: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾ ؟ متى تقلع هذه الطائرة؟ الحركة بطيئة، ونتقدم، ونتأخر، وننتقد، متى تقلع؟ هذا درس اليوم: العزيمة، قال: فإذا انتبه وأبصر أخذ في القصد، وصدق الإرادة، وأجمع القصد والنية على سفر إلى الله، وتيقن أنه لابدّ له منه، فأخذ في أهبة السفر، وتعبئة الزاد ليوم المعاد، والتجرد عن عوائق السفر، وقطع العلائق التي تمنعه من الخروج.
الإنسان حينما يشتدّ عزمه، كل عقبة تحول بينه وبين الله يركلها بقدمه، وكل صارف يصرفه عن الله يسده بقدمه، وكل قضية يمكن أن تبعده عن الله يُلغيها من حياته، وكل صديق لا يُذكّره بالله يقطعه، وكل دخل ليس فيه راحة للنفس يستغني عنه، لأن الله مطلوبه وقصده في الحياة كلها، فهذا الذي ملك العزم ينبعث إلى السلوك، يتحرك بلا توقف ولا تردد، ولا علة ولا رغبة في رياء ولا سمعة، ولا طلب محمدة، ولا طلب جاه ومنزلة عند الخلق، يستوي عنده المادحون والذامون، يستوي عنده الثناء والتأنيب: 

فليتك تحلو والحيـــاة مريــرة          وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامــر         وبيني وبين العالـمين خـــراب

وليت شرابي من ودادك سائغ         وشربي من ماء الفرات سراب

[ أبو فراس الحمداني ]

* * *

هكذا حال المؤمن، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى: 

﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)﴾

[ سورة الأنعام ]

فالذي مَلَك العزيمة طبعاً بعد اليقظة، بعد التفكر، بعد البصيرة، لم يبق إلا العزيمة. 
مثل اقبلوه مني لكنه مضحك، بأيام الشدة التموينية لا يوجد مواد أولية، لا يوجد مواد غذائية، فأنت موظف، داومت ثماني ساعات بعمل شاق، ودخلت إلى البيت وأنت منهك القوى، خلعت ثيابك، وارتديت ثياب البيت، واضطجعت على السرير، جاء ابنك قال لك: يا أبت يوجد في المؤسسة الاستهلاكية زيت، ولا يوجد ازدحام، والسعر رخيص جداً، والنوعية جيدة، ونحن لا يوجد عندنا زيت، ولا يوجد ازدحام، وأنت قد قبضت راتبك اليوم، الصفيحة في المؤسسة ثمنها ثمانمئة ليرة، وخارج المؤسسة ثمنها ألف ومائتين، راتبك محدود، رغم أنك أنت خلعت ثيابك، وارتديت ثياب البيت، وأنت مُتعب ومُنهك، تجد نفسك قفزت من الفراش وارتديت الثياب ثانية، وذهبت إلى المؤسسة لتشتري هذه الصفيحة، لأنك ستوفر ستمئة ليرة، وأنت بأمس الحاجة إلى هذا المبلغ، ولا يوجد ازدحام، ولا يوجد في البيت زيت، وأنت بحاجة إلى الزيت، وقد قبضت راتبك حديثاً، والسعر فيه فرق كبير جداً، انظر؛ خمس كلمات من ابنه جعلته يتحرك، هل تستطيع أنت أن تخاطب نفسك خمس كلمات لتتحرك؟ لتقوم؟ تمشي وتخرج من البيت إلى الجامع؟ تعين إنساناً؟ تقرأ القرآن؟ هل عندك هذه الحركة؟ إن لم يكن هناك حركة:

وقولي كلما جشأت وجاشت                مكانك تُحمَدي أو تستريحي

[ ابن الأطنابة ]

* * *

 

حاجة الإسلام إلى إنسان يتحرك:


مرة في الحج وضعوا سلالم للطابق الثاني في الكعبة المشرفة، وللطابق الثالث، للسطح، فهناك منظر للحجاج يثير انطباعاً معيناً، كله واقف والسلم ماش، متحرك، مرتاح، والدرج متحرك، هكذا وضع المسلمين اليوم، يريد من يحركه، يريد من يُنهضه، يريد من يعطيه، محمول، أما الصحابة فقد حملوا، مسلمو اليوم يحبون أن يُحملوا، أو يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فرق كبير بين أن تَحْمِل وبين أن تُحْمَل، يأتي إلى المسجد يُفضلّ عليك تريد أن تزوجه، وأن تؤمن له البيت، وعمل، وتحلّ له مشكلته مع زوجته، ومشكلته مع شركائه، وكل يوم سؤال، وابن خالة عمتي مات ألا تريدون أن تذهبوا للعزاء؟ أنا عندي كل أسبوع خمسون تعزية، ابن خالة ابن عمته، ألا تذهب معي للتعزية؟ أقول: ولكني لا أعرفه ولا يعرفني، يقول لك: سيستفيدون من كلمة منكم يا سيدي، يريد أن يأخذ كل شيء، لا يعطي شيئاً، يريد من يحمله، لا يحمل أحداً، نحن نريد شخصاً يحمل، نريد شخصاً يساهم، يقدم للمسلمين شيئاً، يقدم شيئاً بين يدي الله عز وجل شيئاً، يا بشر لا جهاد ولا صدقة، فبمَ تلقى الله إذاً؟ سؤال محرج، اسأل نفسك إذا وقفت بين يدي الله يوم القيامة، قال لك: يا عبدي ماذا فعلت من أجلي؟ يا رب آمنت بك، حسناً ماذا فعلت؟ رجل مريض بمرض جلدي، علاجه الشمس، هذا الإنسان المريض بجلده آمن أن الشمس ساطعة، حسناً وماذا لو آمن بهذا؟ إن قلت: ساطعة، ما فعلت شيئاً، وما قدمت شيئاً، إن قلت: ليست ساطعة تُتهم بعقلك، حتى لو آمنت ماذا فعلت؟ لم تفعل شيئاً، ماذا قدمت؟ قال تعالى: 

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾

[  سورة الكهف ]

ماذا قدمت؟ الصحابة الكرام فتحوا البلاد. 
 

الامتحانات التي ابتُلي بها النبي الكريم:


النبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا يَخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَمَا لِي وَلا لِبِلالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ، إِلا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبِطُ بِلالٍ. ))

[ صحيح الترغيب ]

بالله عليكم أنتم جميعاً هل من أحد منكم دخل بيته مرة، سأل أهله: أعندكم طعام؟ قالوا: لا، ولا كسرة خبز؟ ولا كأساً من الشاي؟ ولا قطعة جبن أبداً؟ النبي دخل إلى بيته ذات مرة فقال:

(( عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: لا، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ ))

[ صحيح ابن ماجة: حسن ]

وصار المال بين يديه، قال له أحدهم: لمن هذا المال؟ قال: هو لك، لمن هذا الوادي؟ قال: هو لك، قال: أتهزأ بي؟ قال: لا والله، هو لك، قال: أشهد أنك رسول الله، تعطي عطاء من لا يخشى الفقر، الله امتحنه بالفقر فصبر، وامتحنه بالغنى فشكر، وامتحنه بالضعف، كُذِّب، وعُذِّب، وسُخِرَ منه، قال: لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين، قال: لا يا أخي،

(( عن عَبْدُ اللَّهِ قال: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ، ضَرَبَهُ قَوْمـُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ. ))

[ صحيح البخاري ]

إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، انظر، امتحنه بالفقر فصبر، امتحنه بالغنى فشكر، امتحنه بالضعف والقهر فصبر، امتحنه بالقوة فتح مكة، عشرة آلاف سيف متوهجة تنتظر الأمر من شفتيه، أنقضي عليهم؟ قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، ما تظنون أني فاعلٌ بكم؟ قالوا: أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، الأمر الذي جعل أبا سفيان يقول: يا بن أخي ما أحكمك! وما أرحمك! وما أعقلك! وما أوصلك! وما أعدلك! 
 

سؤال محرج:


سؤال محرج؛ ماذا قدمت لله؟ هل تركت علماً؟ هل تركت عملاً خيِّراً؟ هل ربيت إنساناً؟ هل دعوت إلى الله؟ هل خدمت أهل الحق؟ هل بذلت من وقتك لتعليم الآخرين؟ اسأل نفسك هذا السؤال المحرج: ماذا فعلت بين يدي الله عز وجل؟ يا عبدي ماذا فعلت من أجلي؟ قال: يا ربي زهدت في الدنيا من أجلك، قال: أما زهدك في الدنيا فقد تعجلت فيه الراحة لقلبك، أرحت نفسك، ولكن ماذا فعلت من أجلي؟ قال: يا رب وماذا أفعل من أجلك؟ قال: هل واليت فيَّ ولياً؟ هل عاديت فيَّ عدواً؟ إنسان متفلت يتهجم على الدين، ألم تحاول أن تقنعه بالدين؟ أو تقف موقفاً حازماً يرضي الله؟ تقول: لا خير فيه، لا يوجد رغبة في إعانة إنسان على الحق، تأتي ابنة أخيك إلى المنزل، تلبس ثياباً فاضحة، أهلاً بابنة أخي، كيف حالك؟ لقد اشتقنا لكِ، لم نعد نراك، ألم يخطر في بالك أن تنبهها إلى هذا اللباس الفاضح؟ يقول لك: دع الناس وشأنهم، هذا هو حال المسلمين اليوم. 
حال المسلمين اليوم حيّ فيه بيت احترق، كل واحد منهم قال: لا دخل لي، إن لم ينهض كل سكان هذا الحي في إطفاء الحريق سوف يصل إليهم جميعاً بيتاً بيتاً، قال تعالى: 

﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)﴾

[ سورة الأنفال ]

 

علامة العزيمة:


علامة العزيمة الحركة بلا توقف ولا تردد، قال لهم: أول قائد سيدنا أسامة بن زيد بن حارثة، ثاني قائد سيدنا جعفر، الثالث سيدنا عبد الله بن رواحة، أول قائد أخذ الراية وقاتل حتى قُتل، أخذها سيدنا جعفر، قاتل حتى قُتل، سريعاً، جاء دور سيدنا ابن رواحة، فأخذ الراية وتردد ثلاثين ثانية، قال: 

يا نفس إلا تقتلي تموتــي               هذا حِمام الموت قد صليتِ

إن تفعلي فعلهما رضيتِ               وإن تولــيت فقــد شقـــيـتِ

[ عبد الله بن رواحة  ]

* * *

وأخذ الراية فقاتل بها حتى قتل، النبي عليه الصلاة والسلام قال: أخذ الراية أخوكم زيد فقاتل بها حتى قُتِل، وإني أرى مقامه في الجنة، ثم أخذ الراية أخوكم جعفر فقاتل بها حتى قُتِل، وإني أرى له جناحين يطير بهما في الجنة، ثم سكت، فقلق أصحاب النبي على أخيهم عبد الله، قالوا: ما فعل عبد الله؟ قال: ثم أخذ الراية أخوكم عبد الله فقاتل بها حتى قُتِل، وإني لأرى في مقامه ازوراراً عن صاحبيه، هبط مقامه لأنه تردد، يجب ألا يكون هناك تردد، ولا توقف، ولا رياء، ولا سمعة، ولا طلب محمدة، ولا طلب جاه ولا منزلة، بالعكس أي مُعيق يزيله، وأي صارف يغلقه، وأي موضوع جانبي ينصرف عنه، فهو ينقاد إلى العلم ليتهذب به، ويُصلح شأنه، ويقصد إجابة داعي العلم كلما دعاه، يسأل: ما حكم الشرع في هذا؟ إن كان حراماً تركه فوراً بلا تردد، لا يُعلق تطبيق الأمر على معرفة حكمته، لأنه يعتقد أن علة كل أمرٍ أنه أمر، هو يُقبل على تنفيذ الأمر إقبال العابد، فإذا أقبل على هذا التنفيذ كَشف الله له حكمته، فجمع بين العلم والعبادة، هذا لما يتحرك، ينهض من فراشه، يتوجه إلى بيت الله، ينهض من فراش وثير ليصلي الفجر في جماعة، يُغلق محله ليحضر درس علم يتعلم فيه، يذهب لعيادة مريض، حينما يتحرك هذه الحركة صار قصده عزماً جازماً، قال تعالى: 

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾

[ سورة آل عمران ]

باللغة الدارجة، قوموا يا شباب، هيا لم يعُد هناك وقت، هذا النهوض، هو الدرس اليوم هكذا، هذا النهوض، طبعاً تنطلق إلى البيت، إلى المسجد، إلى عملك، إلى جامعتك، إلى دكانك، من أجل أن تكسب عملاً صالحاً تُرضي الله به.
 

تعريف العزم:


تعريف العزم: هو القصد الجازم المتصل بالفعل، ولهذا قيل: إنه أول الشروع في الحركة لطلب المقصود، مثلاً رجل نوى أن يحج، ينهض الساعة الثامنة، يذهب إلى مديرية الحج، مطلوب قيد نفوس، لا حكم عليه، موافقة الجندية، دفع مبلغ، ذهب الساعة الثامنة إلى التجنيد، أخذ موافقة، هذا الذي ينوي الحج.
إنسان أخذ شهادة ثانوية، يرغب في الجامعة، يتتبع الصحف، علامات القبول، يشتري إضبارة، يقدم الوثائق، يحضر المُصدقة يصدقها، حركة، اليوم درسنا حركة، إذا لم توجد الحركة لا يوجد شيء، في الحركة بركة، تدعو الرجل يقول لك: والله إني مشغول، لا يوجد رغبة، لا تحرجني، أميل إلى الاسترخاء والنوم والاعتذار، أما بموضوع دنيوي للساعة الواحدة يسهر، موضوع متعلق بالدنيا يسهر إلى الساعة الثانية صباحاً، استوقف شخصاً بالطريق، له قضية بمشروع تجده يقف، نسي نفسه واقفاً، مضت ساعة ونصف وهو واقف، إذا كان هناك موضوع مشروع، تكلمه عن الله تراه يتثاءب، يقول لك: لا تؤاخذني، إني قد سهرت البارحة حتى الساعة الثانية، وعندي موعد، عندما تكلمه عن الله تجده يريد أن يغير الحديث.
فالعزم هو القصد الجازم المتصل بالفعل، لذلك قالوا: هو أول الشروع في الحركة لطلب المقصود، والشروع في الحركة ناشئ عن العزم، أكثرنا دخل جامعة، كيف درست؟ حتى الساعة الثانية عشرة أو الواحدة، أنا أذكر عندما دخلت كلية الآداب وطنت نفسي لأعرب كل يوم صفحة بكاملها، صفحة كان عليّ أن أعرف كل كلماتها، صرفاً، ونحواً، وبلاغة، وعروضاً، ومعنى، وتقطيعاً، أحياناً كانت تأخذ الصفحة من وقتي عشر ساعات، كل الكتب أمامي، وكل المراجع، لا يوجد إنسان يصل لشيء بلا ثمن، تجد طبيباً درس ثلاثاً وثلاثين سنة، لا يوجد إنسان وصل لشيء من دون جهد بالغ، وهذه دنيا، تجد الإعداد لها أربعين سنة، الاستمتاع عشر سنوات، كثير من الناس يموتون في الخمسين، حتى استقر أربعين عاماً، حتى اشترى بيتاً وركب مركبة صغيرة، يسكن في زقاق الجن كل يوم، حتى ركب مركبة كان بالأربعينات، معترك المنايا بين الستين والسبعين، تجد الآن ثمان وأربعين، تسع وأربعين، اثنين وخمسين انتهى، انتهت الحياة، معقول أن تعدّ أربعين سنة لِعشر سنوات؟ والله خسارة كبيرة، أما أن تعد للأبد فهذه سهلة جداً، شيء منطقي، أن تعيش خمسين سنة تُعدّ لحياة أبدية، تمام، أما لعشر سنوات فهذه مغامرة كبيرة جداً. 
 

أنواع العزم:


العزم نوعان؛ قال: يوجد عزم على الدخول في طريق الإيمان، ويوجد عزم ثان  متابعة السير في طريق الإيمان، كل شيء أوله له بريق، أول شهر، أول شهرين، من دخول إنسان إلى مسجد، حينما يلتقي بأهل الحق، يقول لك: أنا أعيش بجنة، جميل، لأنه منقول نقلة مفاجئة، من جو بارد، من صقيع إلى جو دافئ أو بالعكس، من جو حار لا يُحتمل إلى جو مُكيّف، نقلة مفاجئة، إذا إنسان كان جالساً في مكان درجة الحرارة كانت ستاً وخمسين درجة، ودخل إلى غرفة مكيفة، يقول لك: ما شاء الله! التكييف نعيم، لكن بعد ساعة لم يعد يشعر بالتكييف، لأنه استمر، وإذا دخل أحدهم من صقيع إلى غرفة دافئة، أول الدخول رائع، لكن بعد فترة أَلِفَه، فبالإيمان يوجد في البدايات مُرَغبات، لكن بعد فترة يألف الحق، يألف المنطق الإسلامي، يألف الاستقامة، تضعف همته، الآن أنت تريد عزيمة من نوع ثانٍ للمتابعة، تريد عزيمة دخول، وعزيمة متابعة، العزم نوعان؛ عزم في البدايات، وعزم في المتابعة.
 

مقامات الدين ليست كمقامات الطريق:


يوجد نقطة مهمة جداً؛ أن مقامات الدين ليست كمقامات الطريق، رجل سافر إلى حلب، انتقل من دمشق إلى القطيفة، ثم غادرها إلى حمص، ثم غادرها إلى حماه، ثم غادرها إلى المعرة، ثم غادرها إلى حلب، أول منزلة ترافقك دائماً، يضاف لها الثانية، يضاف لها الثالثة، يضاف لها الرابعة، أي منازل ثابتة تتنامى لا تنقطع، هذا حال أهل الجنة، بدأ باليقظة، اليقظة مستمرة معه، انتقل إلى البصيرةِ البصيرة مستمرة، انتقل إلى العزم العزمُ مستمر، الله عز وجل قال: 

﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)﴾

[ سورة التوبة ]

التوبة مستمرة، واليقظة مستمرة، والبصيرة مستمرة، والفكرة مستمرة، النبي عليه الصلاة والسلام:

(( عَنْ عَائِشَةَ رَضِـي اللَّهم عَنْهَا قَالَتْ: ما صَلَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلَاةً بَعْدَ أنْ نَزَلَتْ عليه : {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ} إلَّا يقولُ فِيهَا: سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي. ))

[ صحيح البخاري ]

يتأوّل هذه السورة، أليس فيها قوله تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً﴾ ؟
 

لوازم العزيمة:


الصبر من مقامات العزم، الإنسان بعمل دنيوي يصبر، يقول لك: عملي شاق، أحياناً الإنسان يضطر أن يصـب سقفاً بأيام الصقيع، برد، يخرج من بيته الساعة السادسة، ويقف في الهواء، يتحمل الرياح الباردة، من أجل أجرة مفترضة، فالإنسان يصبر أحياناً على عمل شاق من أجل الدنيا فكيف إذا صبر من أجل الله؟ فالصبر من لوازم العزيمة: 

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)﴾

[ سورة الأحزاب ]

 

الإنسان مخلوق للجنة والجنة تحتاج إلى عمل:


أيها الإخوة؛ محور هذا الدرس الأمور واضحة، ليس إلا الله، لا إله إلا الله، وأنت مخلوق للجنة، والجنة تحتاج إلى عمل، قال تعالى: 

﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)﴾

[ سورة النحل ]

وكل معصية لها عقاب، وكل حسنة لها ثواب، ومستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحيل أن تطيعه وتخسر، ومستحيل أن تطيعه وتذل، ومستحيل أن تعصيه وتعز، والله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وكلنا إلى الموت سائرون، كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل البقيع يقول: أنتم السابقون ونحن اللاحقون، وكل إنسان، أمير البحرين قابل وزير الدفاع الأمريكي، بعد دقائق مات، الأمير يموت، الملك يموت، الغني يموت، الفقير يموت، القوي يموت، الضعيف يموت، الذكي يموت، الغبي يموت، الصحيح يموت، المريض يموت، الشاب يموت، والكبير في السن يموت، وكل مخلوق يموت، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت، لو يعرف الإنسان دقائق جسمه، الموت أقرب إليه من شرك نعليه، يقول لك: سكتة انتهى، ما هذا القلب؟ فيه كهرباء، نبض، إذا جاءت خارجة انقباض واحدة أطول مما ينبغي يتوقف القلب، كان شخصاً صار خبراً، ما الإنسان؟ كلنا، حياتك، وفاعليتك، ونشاطك، ومكانتك، وهيمنتك، وشخصيتك، وأموالك المنقولة وغير المنقولة، وأسرتك، وبيتك، ومكتبك، وسيارتك، وكل مكانتك مربوطة بميلي وربع قطر الشريان التاجي، ومربوطة بنمو الخلايا، ومربوطة بسيولة الدم، إذا الدم جمد جلطة، وإذا الخلايا تفلتت سرطان، وإذا الشريان ضاق، يقول لك: خناق صدري، وكل واحد منا تحت هذا الخطر، تحت رحمة الله كلنا، لا أحد يعرف متى؟ شخص بأعلى درجة من نشاطه، فجأة فقد حركته وكلامه، صار طريح الفراش، كان له محل تجاري، له حركة، انتهت، صار عبئاً، هكذا الدنيا، لذلك: الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما، اعمل عملاً صالحاً، ثم متى يأتي أجل الله أهلاً وسهلاً، قال تعالى: 

﴿ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)﴾

[ سورة آل عمران ]

﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)﴾

[ سورة الزخرف ]

﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)﴾

[ سورة يس ]

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور