- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (039)سورة الزمر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
نقص المعرفة يقابله انحراف السلوك:
أيها الأخوة الأكارم؛ مع الدرس التاسع عشر من سورة الزُّمَر، ومع الآية السابعة والستين، وهي قوله تعالى:
﴿
أي ما عظَّموه حقَّ تعظيمه، ما عرفوه حقَّ معرفته، كلّ أخطائهم، وكلّ شركهم، وكلّ انحرافهم، وكلّ معاصيهم بسبب نقص معرفتهم. أرجو الله سبحانه وتعالى أن يمكنني من توضيح هذه الحقيقة؛ نقص المعرفة يقابله انحراف السلوك، ما من سلوكٍ منحرفٍ، ما من إنسانٍ وقع في مخالفاتٍ، ما من إنسانٍ قَصَّرَ في أداء واجبٍ، ما من إنسانٍ وقع فيما حرَّم الله إلا بسبب نقص معرفته، فهناك علاقةٌ طرديَّة متوازية بين العلم وبين السلوك، فربنا عزَّ وجل بعد أن حدَّثنا عن هؤلاء الذين أشركوا، هؤلاء الذين عصوا، بيَّن أنهم ما عصوا، وما أشركوا، وما قصَّروا، وما أساؤوا إلا بسبب أنهم ما قدَّروا الله حقّ قدره،
إذا عرضوا على الإنسان نماذج من البضاعة واختار أسوأها، معنى ذلك أنه ما عرف قيمة أجودها، لو عرف قيمة أجودها لما اختار أسوأها، مادام اختار الأسوأ إذاً ما عرف قيمة الأجود، فأنت مع ما سوى الله عزَّ وجل تتجه إلى لا شيء، إلى جهةٍ لا تملك شيئاً، لا نفعاً، ولا ضراً، ولا موتاً، ولا حياةً، ولا نشوراً، لا تسمع، ولا تعقل، ولا تعطي، ولا تستجيب، ولا تنقذ، فإذا تركت خالق الكون، السميع البصير، الحيّ القيُّوم، من بيده ملكوت كل شيء، واتجهت إلى ما سوى الله، أشركت، إذاً ما قدَّرت الله حقَّ قدره، لو فرضنا أنت جندي وجاءك أمر من عريف وأمر من لواء، فرأيت أن أمر العريف يجب أن يُنفذ وأن أمر اللواء ليس من الضروري أن يُنفذ، أنت ما عرفت ماذا تعني رتبة لواء، وما عرفت الفرق بينهما، وأنت أجهل الناس بهذا السلك.
ما من إنسانٍ وقع فيما حرَّم الله إلا بسبب نقص معرفته:
من ازدادت معرفته بالله استقام عمله:
إذاً هذا مقياس دقيق، كلَّما رأيت نفسك تُقصِّر، تُهْمِل، تتجرَّأ، تتجاوز الحدود، احكم على نفسك أنك لا تعرف الله، هناك نقصٌ في العمل بقدر النقص في المعرفة، النقص في العمل أساسه النقص في المعرفة، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح قال: عن أبي أمامة الباهلي:
((
معنى ذلك تسبيحه قليل، والتسبيح هو التنزيه والتمجيد، أي معرفته قليلة، قَلَّت المعرفة فقلَّ معها العمل، قلَّت المعرفة فقلَّت معها التضحية، قلَّت المعرفة فقلَّ معها الصبر، قلَّت المعرفة فقلَّ معها البذل، قلَّت المعرفة فقلَّت معها الطاعة، قلَّت المعرفة فقلَّت معها الخشية، يجب أيها الإخوة أن تربطوا دائماً بين المعرفة وبين السلوك، يوجد خطأ في المعرفة لابدَّ من أن يتبعه خطأ في السلوك، هناك خطأٌ في السلوك لابدَّ من أن يُعْزَى إلى نقصٍ في المعرفة، إن رأيت إنساناً منحرفاً احكم عليه أن معرفته بالله قليلة، إن رأيت إنساناً لا يعرف الله احكم عليه أنه لابدَّ من أن يخطئ، لأن ما في الداخل ينعكس على ما في الخارج، وما في الخارج يؤكِّد ما في الداخل، وانتهى الأمر، هذا التلازم بين العقيدة والسلوك، أشركوا، وقصَّروا، وندموا، وعبدوا غير الله، وانكبوا على الدنيا، بعد كل هذه الأوصاف الدقيقة لانحرافاتهم، قال:
الفصل بين العلم والعمل أخطر شيء في الدعوة إلى الله:
أخطر شيء في الدعوة إلى الله أن تفصل بين العلم وبين العمل، وأن ترى العلم هدفاً بذاته، لكن العلم وسيلة وليس هدفاً، فإذا جعلته هدفاً فقد وقعت في خطأ شنيع، العلم وسيلة وليس غاية، العلم وسيلة إلى العمل، قال بعضهم: "العلم الذي لا يُثْمر العمل الجهل أفضل منه، لأنه حجَّةٌ عليك"، فهذه الآية:
الأرض في قبضة الله تعني أن:
1 ـ الأرض في حوزة الله وفي ملك الله:
من الله عزَّ وجل؟ قال:
﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)﴾
هذه إشارة إلى أن هناك ثروات، هناك فلذات، هناك مناجم، هناك معادن، هناك بترول، هناك مناجم ذهب،
2 ـ الله قادرٌ فيها على كل شيء :
المعنى الثاني: إن الله قادرٌ فيها على كل شيء، كل شيءٍ تتعلَّق به قدرة الله عزَّ وجل، قدرة الله تتعلَّق بكل شيءٍ على الإطلاق، قادرٌ أن يمحوها، قادرٌ أن يفعل بها ما يشاء، قادرٌ أن يغرقها بالماء، الماء يقدر أن يجعله رحمةً، ويقدر أن يجعله عذاباً، الماء أحياناً يدمِّر كل شيء، يُتْلِف كل المحاصيل.
الهواء قادرٌ على أن يجعله رياحاً منعشةً تسوق السحب، وقادرٌ على أن يجعله ريحاً مدمِّرةً، لا تذر شيئاً إلا أتت عليه، كل شيءٍ بقبضة الله، الأرض مستقرَّة بقدرة الله، وقادرٌ أن يزلزلها، البناء الذي استغرق بناؤه عشرين عاماً يصبح رُكاماً بثلاث ثوان. فماؤها رحمةٌ أو عذاب، هواؤها رحمةٌ أو عذاب، بموجة صقيعٍ واحدة قادرٌ على أن يجعل كل الإنتاج الزراعي صفراً، أسود اللون، يقول لك: الصقيع أتلف ثلاثمئة مليون خلال خمس دقائق، ما معنى في قبضته؟ أي هو في حوزته ملكاً وتصرُّفاً ومصيراً وضمن قدرته، قادرٌ أن يفعل بها ما يشاء، قادر أن تغور الينابيع فيموت النبات، ويموت الحيوان، ويموت الإنسان، وقادرٌ أن يجعل الأرض القاحلة وقد ارتدت حلَّةً قشيبة، أي ما بين حمص والشام مسافة تعرفونها جميعاً، أرضٌ قاحلة، في هذا العام نسب الأمطار تضاعفت، الآن بساط أخضر بين حمص والشام، خضراء كلُّها، قادر، تكون نسب الماء قليلة، قادر أن يضاعف هذه النسب، بعد أن يَئِس الناس من أن الأمطار في الشام باتجاه التناقص من مئتي وخمسين ميليمتر إلى مئتين وثمانية عشر إلى مئة وستين استقرت عشر سنوات مئة وستين أو مئة وخمسين، فوجئ الناس في هذين العامين الأخيرين بثلاثمئة فما فوق، لا نعلم،
كل شيء في حوزة الله تعالى ملكاً وتصرُّفاً ومصيراً وضمن قدرته:
الأمطار بيده، الرياح بيده، البرودة والصقيع، أهل الساحل ما عرفوا الصقيع منذ ثلاثين عاماً، فجأةً في العام الماضي تسع درجات تحت الصفر على ساحل البحر، غير معقول إطلاقاً، الأمطار التي جاءت قبل أسابيع كانت أربعين ميليمتراً، هذه الأمطار هذه الأيام أمطار عاصفية لا تستمر أكثر من دقائق، إذا بها أربعون أو خمسون أو ستون ميليمتر باتجاه الحسكة،
مرَّة سألني أخ: هل على العسل زكاة؟ قلت: عليه زكاة، العلماء ألحقوه بالإنتاج الزراعي، وقالوا: زكاة العسل العُشر إذا كانت خلاياه طبيعيَّة؛ في الأكوار، وفي الأغصان، ونصف العشر إن كانت خلاياه خشبيَّة، أي إذا في نفقة نصف العشر، قال لي: أكيد؟ قلت له: مثلما تحب أنت حر، إن لم تدفع الزكاة قُرَّاد النحل جاهز، أيضاً آفةٌ تصيب خلايا النحل لا تبقي بها ولا نحلة، أصابت هذه الآفة أكثر المناحل قبل سنوات، أتت عليها جميعاً، تدفع أهلاً وسهلاً، لا تدفع القرّاد جاهز، ما تلف مالٌ في برّ أو بحرٍ إلا بحبس الزكاة.
اليوم رويت بالخطبة قصتين قرأتهما في صحيفة يومية بينهما أسبوع؛ إنسان ذهب إلى بلد غربي - إلى أمريكا - لمهمَّة تطوير معلوماته الاختصاصيَّة، وعاد بعد ثلاثة أشهر محملاً بالهدايا الثمينة لزوجته الوفيَّة، ولأصدقائه، ولأمِّه، ولأبيه، ولجيرانه، أنجب بعد عامٍ من مجيئه طفلاً كالوردة، بعد أن أنجبت زوجته هذا الطفل شعر بآلام، بانحطاط، بضَعف من طبيب إلى طبيب إلى طبيب، إلى أن أشار عليه بعض الأطبَّاء أن يجري فحصاً لمرض الإيدز، أجرى الفحص النتيجة إيجابيَّة، بقي يعاني آلام هذا المرض سنتين ثمَّ مات، وبعد موته ماتت زوجته التي أُصيبت بهذا المرض، والآن ابنه في مرحلة الوفاة، وله بنتٌ أنجبها قبل أن يسافر إلى أمريكا، طبعاً زلَّت قدمه، حُوصِر، وسُئل، وألقي عليه الحجر الصحي، وحقِّق معه، زلَّت قدمه في هذه البلاد - ألا يا ربَّ شهوة ساعةٍ أورثت حزناً طويلاً - قال قبل أن يموت: لو أن لهذا المرض دواء، وثمنه كل ما أملك لدفعته، لا من أجلي ولكن من أجل إنقاذ زوجتي الوفيَّة البريئة وابني الصغير، ولكن المرض حصد الأسرة كلَّها، تستقيم أهلاً وسهلاً، لا تستقيم الإيدز جاهز.
قال لي طبيب أقام في فرنسا عشر سنوات، قال لي: أُجريت دراسة لبنات الهوى هناك، ثلاثون بالمئة أو أكثر مصابات بهذا المرض.
الاستقامة على أمر الله ضرورية في حياة كل إنسان:
لماذا الدين ضروري؟ لماذا العلم ضروري؟ من أجل سلامتك، إذا كنت تتنزَّه بأرض فلاة، ورأيت كلمة
يا أيها الأخ الكريم؛ حينما تفهم الدين ضماناً لسلامتك فأنت فقيه، أما إذا رأيته حدَّاً لحريَّتك فأنت لا تعرف شيئاً.
هذه قصة نُشِرت في جريدة يومية قبل أسبوعين، أنا فوجئت بعد أسبوع بقصة مشابهة، شابٌ من شباب هذه البلدة خطب فتاةً ملء السمع والبصر، وعقد قِرانه عليها في المحكمة الشرعيَّة، وأمضى معها سنةً وأكثر، في فترةٍ يسمِّيها الخُطَّاب من أمتع فترات حياتهم، الحديث عن غرفة النوم، وعن غرفة الضيوف، وعن موقع المَنزل، وعن ماذا يسمون أولادهم حينما يأتون؟ ثم شعر أن بإمكانه أن يشتري سيَّارةً وقد رخصت أسعارها، وشعر أنه بحاجة إلى رخصة قيادة، ذهب إلى الجهات المسؤولة ليحصل على هذه الرخصة، أحد الأوراق تحتاج إلى تبرُّع بالدم، ذهب ليتبرَّع بدمه، في اليوم التالي أُلقي الحجر عليه - أنت مصاب بالإيدز- سنة وهذان العروسان يحلمان بأحلامٍ رغيدةٍ، ببيتٍ سعيدٍ، بأولادٍ نجباء، كان جريئاً وأخبر زوجته، طبعاً فُسِخَ العقد فوراً عن طريق المُخالعة، وتألَّمت الزوجة أشدَّ الألم، وهو ينتظر الآن وفاته، هذه المعصية، تحب نفسك استقم، تحب سلامتك استقم، الأمور واضحة وضوح الشمس، فلذلك حينما تتجه إلى ما يُغْضب الله أنت لا تعرفه، والأدق من ذلك أنت لا تعرف مصلحتَك، إذا عصيته أنت لا تعرفه ولا تعرف ما يسعدك.
إذاً:
3 ـ الأرض في قبضته أنه قادر على إهلاكها وإتلافها والذهاب بها:
والمعنى الثاني: أن كل ما في الأرض، ما فيها ومن فيها، وما عليها ومن عليها، وما فوقها ومن فوقها، في قبضته أي في تصرُّفه، هو الذي يحكمها، وهو الذي يتصرَّف بها، ومشيئته هي النافذة، والله يحكم لا معقِّب لحكمه، له الخلق والأمر.
المعنى الثالث لهذه الآية: أن الأرض في قبضته أنه قادر على إهلاكها، وإتلافها، والذهاب بها.
﴿ وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10)﴾
متى؟ يوم القيامة.
معاني مطوياتٌ في قوله تعالى:
قال:
والمعنى الثاني أن هذه السماوات التي تبدو شيئاً لا يصدَّق مليون مليون مجرَّة تقريباً، في كل مجرَّةٍ مليون مليون نجم تقريباً، والفراغات البينيَّة بين النجوم شيء لا يُصَدَّق، لو أن هذا المسجد هو الفضاء، بين النجمين كما بين كرتين صغيرتين، الأولى في طرفه الأول، والثانية في طرفه الآخر.
تسخير الله عز وجل الكون للإنسان من أجل أن يعبده:
لذلك ربنا عزَّ وجل قال:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ(75)وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ(76)﴾
بعد الشمس عن الأرض مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، وتكبُر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرَّة، وهناك نجمٌ صغيرٌ صغير في برج العقرب لونه أحمر، اسمه، قلب العقرب يتَّسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما،
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)﴾
كل شهر في بُرج، برج العقرب فيه هذا النجم الصغير المتألِّق الأحمر، اسمه: قلب العقرب، هذا النجم الصغير يتّسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، الذي عنده آلة حاسبة يحسب، احسب بينك وبين أقرب نجمٍ ملتهب إلينا أربع سنواتٍ ضوئيَّة، هذه المسافة تعني أنك إذا أردت أن تصل إليه بمركبةٍ أرضيَّة تحتاج إلى ما يقارب من خمسين مليون عام، يجب أن يكون عمرك خمسين مليون سنة من أجل أن تصل إليه.
سيدنا المسيح ولِدَ قبل ألف وتسعمئة سنة تقريباً، سيدنا موسى قبل ستة آلاف سنة تقريباً، سيدنا رسول الله قبل ألف وخمسمئة سنة تقريباً، فأين خمسون مليون سنة من أجل أن تصل إلى أقرب نجمٍ ملتهبٍ؟ نجم القطب تحتاج إلى أن تصل إليه إلى أربعة آلاف سنة ضوئيَّة، هذا أقرب نجم أربع سنوات، القطب أربعة آلاف سنة، إذا أربع سنوات تحتاج إلى خمسين مليون سنة مسافة الطريق، فكم تكون الأربعة آلاف سنة؟ والعمليَّة تتم بسهولة بالآلة الحاسبة. هناك عمليَّة معقَّدة، الضوء يقطع في الثانية ثلاثمئة ألف كيلو متر، اضرب ثلاثمئة ألف كيلو متر في ستين، بالدقيقة، في ستين، بالساعة، بأربع وعشرين، باليوم، بثلاثمئة وخمسة وستين، بالسنة، بأربع سنوات تستطيع أن تعرف كم تبلغ، الآن اقسِم على مئة كيلو متر سرعة السيَّارة، هذه بالساعة، على أربع وعشرين باليوم، على ثلاثمئة وخمسة وستين بالسنة، أي حوالي خمسين مليون سنة تحتاج أن تصل إلى أقرب نجم ملتهب، هذا النجم الملتهب أربع سنوات، القطب أربعة آلاف سنة، المرأة المسلسلة مليونا سنة، مجرَّة حديثة ستة عشر ألف مليون سنة ضوئيَّة، هذه مواقع النجوم،
ديننا دين توحيد:
وفي كل شيء له آيةٌ تدلُّ على أنه واحد
* * *
عندما أراد أخوة يوسف به كيداً:
﴿ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)﴾
ما استطاعوا لأن الأمر بيد الله عزَّ وجل
قصتا يوسف وموسى تؤكدان أن الأمر بيد الله وحده:
سيدنا موسى وُضِعَ في صندوق وأُلقي في اليم، الله عزَّ وجل أمر أمَّه بأمرين، ونهاها نهيين، وبشَّرها بشارتين، قال:
﴿
هذا أول أمر:
﴿ وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)﴾
فرعون قتل كل الأطفال حتى لا يأتي طفل يقضي على ملكه، أما هذا الطفل الذي سيقضي على ملكه فربَّاه في قصره وهو لا يدري.
﴿
هذه لام المآل، ليست لام التعليل، انتهى الأمر أن هذا الطفل الذي أحبوه وربوه هو الذي قضى على ملك فرعون، الأمر بيد الله، قصَّة موسى كلُّها تؤكِّد أن الأمر بيد الله، قصة يوسف الأمر بيد الله.
أخطر شيء أن تكون مع غير الحق وأسعد شيء أن تكون مع الحق:
سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، هؤلاء الكفَّار الذين عادوا النبي، أخرجوه من بلده، نكّلوا بأصحابه، ائتمروا على قتله، ماذا كان في النهاية؟ هم ماتوا في معارك شهيرة وأُلقوا في القليب، والنبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام تألَّقوا في سماء الدنيا، ونصرهم الله عزَّ وجل. أي أخطر شيء أن تكون مع غير الحق، وأسعد شيء أن تكون مع الحق، قال:
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ
بعد أن انتهت الأرض والسماوات:
والليل مهما طــــال فلابد من طلوع الفـــجر والعمر مهما طــــال فلابد من نزول الــــقبر
* * *
كل ابن أنثـــــى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فــإذا حملت إلى القبـــــور جنــازة فـاعلم أنـك بعدهـــا محمـول
* * *
صدر قرار من الله عزَّ وجل بموت جميع الخلق مع وقف التنفيذ، متى؟ الله أعلم.
خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط:
لذلك: من عدّ غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت، الذي يقول: غداً من أجلي، فقد أساء صحبة الموت، غداً سأفعل كذا، أنت لا تعرف الموت، الموت يخطف الإنسان خطفاً، بلمح البصر، سكتة دماغيَّة، خير إن شاء الله، هناك كثير من حالات الوفاة المفاجئة، نام ولم يستيقظ، خرج ولم يرجع، دخل ولم يخرج، سافر ولم يرجع،
كل إنسان ينتظر يوم القيامة ماذا يُفعل به:
إذاً:
﴿
أول نفخة نفخة الموت، النفخة الثانية نفخة البعث:
الله عز وجل قطع حجة المعاندين إلى يوم القيامة:
يوجد سؤال فاتني أن أشير إلى جوابه، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ
الآن تجد أحدهم لا شيء ويقول لك: أنا أفعل، أعمل، أترك، أمنح، آخذ، يوجد دعاوٍ كثيرة، لكن هل يستطيع أحدٌ يوم القيامة أن يدَّعي أن له فعلاً؟ هذه المناقشة دقيقة، قال النمرود لسيدنا إبراهيم: من ربُّك؟ قال:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
أنا مثل ربَّك، أنا أحكم على إنسان بالقتل فيموت، أعفو عنه فيبقى حياً، سيدنا إبراهيم أوتي من الله الحكمة، فالمناقشة معه في هذا الموضوع طريق عسير، تركه كُلياً، قال:
يوم القيامة لا يستطيع أحدٌ أن يدَّعي أن الأمر بيده:
لذلك بعضهم قال عن الآية الكريمة:
﴿ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
يا رب هي بيدك سابقاً ولاحقاً فكيف صارت إليك؟ وبيد من كانت قبلك يا رب؟ سؤال محيِّر، العلماء قالوا: في الدنيا المؤمنون وحدهم يرون أن الأمور بيد الله، لكن أهل الدنيا؛ الكفَّار، المشركون، المقصِّرون، ضِعاف الإيمان، يرون أن الأمر بيد زيد، بيد عُبيد، بيد فلان، بيد علان، فربنا عزَّ وجل قال: أما يوم القيامة فلا يستطيع أحدٌ أن يدَّعي أن الأمر بيده:
﴿
شرقت الشمس أي ظهرت، أما أشرقت بمعنى أنارت، شرقت ظهرت، أما أشرقت فنوَّرت، فإذا كان الظلم ظلماتٌ يوم القيامة فما هو النور؟ هو العَدْلُ، أي هذا اليوم يوم العدلِ تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً، ورد في بعض الأحاديث أنه من علامات قيام الساعة موت كعقاص الغنم، أحياناً يأتي وباء يذهِب بأربعة أخماس القطيع خلال يوم، موتٌ كعقاص الغنم لا يدري القاتل لمَ يقتل؟ ولا المقتول فيمَ قُتِل؟ بالفطرة الإنسان يُقْتَل إذا كان قاتلاً، يُقْتَل إذا أنشأ فساداً في الأرض، أما يُقْتَل فقط لأنه مسلم؟ لم يفعل شيئاً، مواطن صالح.
العاصي غبي لأنه قضى على سعادته في الدنيا والآخرة:
ما يجري في العالم الآن من الحروب الأهليَّة لا يدري القاتل لمَ يقتل؟ ولا المقتول فيم قُتِلْ؟ إذاً تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً، يوم القيامة هذا يوم العدل:
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)﴾
الأمور أمامنا، الدروس والمواعظ لا تنتهي، كل قصَّةٍ فيها حكمة وموعظة، قصتا الجريدة؛ ظن نفسه أنه ذهب بمهمة لأميركا، معه أموال، له زوجة وفية أهملها، قضى كل حاجته من النساء، عاد ليُقضى عليه وليدمر أسرته، من الذكي؟ هو كتلة غباء، العاصي غبي، اترك موضوع الطيبة، طيب غير طيب موضوع آخر، غبي لأنه قضى على سعادته في الدنيا والآخرة، فمن باب الاستنباط لو أنك مفرطٌ في أنانيِّتك، لو أنك تحبُّ ذاتك أشدَّ الحب، عليك بطاعة الله طلباً لسلامتك.
طاعة الله عز وجل أساس النجاة يوم القيامة:
يا إخوان؛ لا يوجد حلّ إلا طاعة الله عزَّ وجل، الأرض الآن امتلأت فِسقاً وفجوراً وفتنةً، الفتن الآن يقظى، الدنيا خضرةٌ نضرة، أينما تحرَّكت نساءٌ كاسياتٌ عاريات، ما من كلمةٍ أبلغ من كلمة النبي عليه الصلاة والسلام، مرتدية لكنها عارية.. عن عبد الله بن عمرو:
(( سيكونُ في آخِرِ أُمَّتي رجالٌ يَركَبونَ على سُروجٍ كأشباهِ الرِّحالِ، يَنزِلونَ على أبوابِ المسجدِ،
المؤمن في المسجد كالسمكة في الماء، المؤمن جنَّته داره وليست الطرقات، جنَّته داره، جنَّته مسجده، مكان فُسْحَتِهِ مكانٌ طلق لا معاص فيه إطلاقاً، هذا المؤمن، أما إذا عاش مع الناس فالعصر الآن فيه فساد،
كل القيم التي يتفاضل بها الناس في الدنيا تسقط يوم القيامة إلا قيمة المعرفة والعمل:
صار هناك مقاييس جديدة، صار هناك مقياس وحيد هو مدى معرفتك بالله، مدى طاعتك له، مدى إحسانك إلى الخلق، قِيم المال سقطت، قيم الذكاء سقطت، قِيم الوسامة سقطت، قِيم القوَّة سقطت، كل القيم التي تفاضل بها الناس كلُّها تحت الأٌقدام إلا قيمة المعرفة والعمل.
﴿
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا
علمك يرفعك، وعملك يرفعُك، مالك لا قيمة له، كونك كنت صحيحاً لا قيمة له، كنت ذكياً لا قيمة له، كنت وسيماً لا قيمة له، كل القيم تحت الأقدام إلا قيمة العلم والعمل هذا،
البطل هو الذي يملك جواباً لله عزَّ وجل عن كل شيءٍ فعله في الدنيا:
الآن:
لكل إنسان كتاب أعمال يوم القيامة:
لذلك:
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)
نظراتك، كلماتك، كلُّه بعلم الله عزَّ وجل،
﴿ كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20)﴾
أولاً: صفحاته مرقَّمة، وثانياً: مع كل مخالفة صورتها،
تعريف بالشهداء:
بعضهم قال:
إما العلماء، أو الذين استشهدوا في ساحات المعركة، أو الملائكة، لقوله تعالى:
﴿ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)﴾
يسحبونه من رقبته، فإن قال: لم أفعل شيئاً، هذا شاهد عليك، لا تتكلَّم ولا كلمة:
عدل الله يُسكت الألسنة:
هنا الميزان ميزان العَدْلِ، ووضِع الكتاب كتاب العمل:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى
﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ
اسم الله العَدْل يتحقَّق يوم القيامة، الآن اعملوا ما شئتم، الآن هناك حرية اختيار ولكن كلَّه مسجَّل، اعملوا ما شئتم:
﴿
كل إنسان نال جزاءه الأوفى الكامل، لا يوجد ولا كلمة، لذلك قالوا: عدل الله يسكت الألسنة.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين