وضع داكن
24-06-2025
Logo
مدارج السالكين - الدرس : 051 - شهود الأسماء والصفات
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

منزلة شهود الأسماء والصفات:


أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الواحد والخمسين من دروس مدارج السالكين، في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين.
أيها الإخوة؛ منزلة جديدة، ولعلها من أدق المنازل، وتحتاج إلى دقة انتباه وإعمال فكر، هذه المنزلة منزلة شهود الأسماء والصفات، أي أن ترى حقيقة أسماء الله الحسنى، هذه منزلة عالية جداً، هذه منزلة متعلقة بأصل الإيمان، لأن أصل الدين معرفة الله عز وجل، وحينما تصح معرفة الله عز وجل يصح كل شيء، تُخلِص له، تُوَحّده، تُوحد وجهتك إليه، تُوحد النيّة، تُوحد الهدف، تُوحد الوسيلة.
 

أقوال العلماء عن هذه المنزلة:


قال بعض العلماء: هذه المنزلة من أجلِّ المشاهد ومن أعظمها، وهي أعلى منزلة مما قبلها ومما بعدها، أن تشهد حقيقة الأسماء الحسنى وحقيقة الصفات الفضلى، أن تكون على علم بالله، أن تتعرف إليه، وفرق كبير بين أن تعرف أمره ونهيه، وبين أن تعرف خلقه، وبين أن تعرف ذاته، أن تعرف أمره ونهيه، وأن تعرف خلقه، هذا شيء يكون بالمدارسة، وأي إنسان بإمكانه أن يُحَصّل هذا العلم، لأن هذا العلم يحتاج إلى ذكاء، وإلى كتاب، وإلى مدرس بارع، يحتاج إلى مذاكرة، وإلى إعادة، هذا اسمه: مدارسة، فمعرفة خلقه ودقائق خلقه، ومعرفة أمره ودقائق أمره، هذا علم مدارسة، لكن أن تعرف ذاته هذا علم مكاشفة، المدارسة تتأتّى لكل إنسان، لكن المكاشفة لا تتأتّى إلا لمن جاهد في سبيل الله، لهذا قال بعضهم: جاهد تشاهد.
معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى ثمنها باهظ، ثمنها المجاهدة، نتائجها باهرة، وكل شيء له ثمن باهظ نتائجه باهرة، قاعدة، هذه قاعدة بالحياة، من أجل أن تستمتع بالرخام الصقيل الذي لا يتبدل لونه ولا يتغير له ثمن غالٍ، من أجل أن ترتاح بمركبة لا تقطعك هذه ثمنها غالٍ جداً، فكل نتيجة باهرة لها ثمن باهظ، وكل ثمن باهظ له نتيجة باهرة.
 

ماذا تعني كلمة الجهاد؟


قبل أن نمضي في الحديث عن هذا الموضوع، الله عز وجل يقول: 

﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)﴾

[ سورة التوبة ]

إنسان مُنعم، كثير المال، بإمكانه أن يوافق على إنشاء مسجد، وله الأجر، وله عظيم الأجر إن شاء الله، ولكن هذا ما كلفه إلا أن يوافق، أما حينما يجاهد نفسه وهواه، وبالمناسبة يقع معظم الناس في خطأ لا أقول: جسيم، لكن يوجد خطأ، كلما سمعوا كلمة جهاد انصرف ذهنهم إلى الجهاد القتالي، مع أن كلمة جهاد تعني أشياء كثيرة، من جملة ما تعنيه الجهاد القتالي، لكن لها معان أخرى، فالذي يجاهد نفسه وهواه هذا جهاد، بل إن هذا هو الجهاد الأول، بل إن هذا هو الجهاد الذي ليس قبله جهاد، جهاد النفس والهوى ليس قبل هذا الجهاد جهاد، لأن المنهزم أمام نفسه لا يمكن أن يفعل شيئاً، لا يمكن أن يجاهد العدو، لا يمكن أن ينشر الحق، المنهزم أمام نفسه، فكلمة الجهاد تعني جهاد النفس والهوى، وكلمة الجهاد تعني الجهاد الدعوي، قال تعالى: 

﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)﴾

[ سورة الفرقان ]

وسمّى هذا الجهاد جهاداً كبيراً، وجهاد النفس والهوى والجهاد الدعوي متاح لكل مسلم في أي مكان وفي أي زمان، وحينما لا يتاح لنا الجهاد القتالي نمارس الجهاد الدعوي، وقد سماه الله جهاداً كبيراً.
 

منزلة شهود الأسماء والصفات من أعلى منازل مدارج السالكين:


على كلّ؛ معرفة الأسماء والصفات بل شهود حقيقة الأسماء والصفات من أعلى منازل مدارج السالكين، من أعلى منازل إياك نعبد وإياك نستعين، أن تشهد أسماء الله الحسنى، من هنا كانت موضوعات أسماء الله الحسنى التي تفضّل الله بها علينا في هذا المسجد مئة موضوع، مئة اسم، لكل اسم درس، وقد لاقت قبولاً حسناً والحمد لله، لأن الإنسان من خلال هذه الدروس يتعرف إلى الله، المعرفة التفصيلية، المعرفة اليومية، المعرفة التي تعطيه دافعاً قوياً كي يتصل بهذا الإله العظيم.
بل إن معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، بل إن منزلة شهود الأسماء الحسنى والصفات الفضلى من أجلّ المنازل ومن أعظمها، ومعرفة أسماء الله الحسنى من أجلِّ المعارف ومن أشرفها.
 

كل اسم من أسمائه سبحانه له صفة خاصة:


الآن كلام مكثّف جداً؛ علمونا في الجامعة أن هناك أسلوباً في الكتابة مُركَّزاً جداً، لا يمكن أن يُلخص، لا تستطيع أن تحذف كلمة ولا حرف جر، فمثل هذا الكلام يجب أن يُقرأ كلمة كلمة، كل اسم من أسمائه سبحانه له صفة خاصة، فإن أسماءه أوصاف مدح وكمال، اسمه العدل فهو عادل، اسمه القدير فهو قادر، اسمه العليم فهو عالم، علّام الغيوب، كل اسم يقتضي صفة، طبعاً في عالم البشر لا، اسمه كامل وهو ناقص، اسمه محسن وهو مسيء، اسمه أنور وهو أظلم، في عالم البشر قد يتناقض الاسم مع المسمى، وقال بعضهم كلمة أعجبتني، قال: التصوف كان مسمى بلا اسم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، كان مسمّى أي مضموناً، كان أصحاب النبي في أعلى درجة من الإخلاص، وفي أعلى درجة من الحب، وفي أعلى درجة من الشوق، وفي أعلى درجة من البذل والعطاء، قمم، كان التصوف مسمى بلا اسم، فانتهى به الأمر إلى اسم بلا مسمى، فكل اسم من أسماء الله الحسنى له صفة خاصة، فإنّ أسماءه أوصاف مدح وكمال، وكل صفة لها مقتضى وفعل، أي الله عز وجل عدل، اسمه العدل، صفته عادل، العادل أي سوف يبطش بالظالم، الصفة لها مقتضى، الاسم له صفة، والصفة لها مقتضى من فعل لازم أو متعدٍ، لذلك الفعل تعلّق بمفعول وهو من لوازمه، أي له الخلق وله الأمر، هناك الثواب وهناك العقاب، كل هذا من آثار أسماء الله الحسنى، الله له اسم، والاسم له صفة، والصفة لها مقتضى، عدل عادل يُنصف المظلوم ويبطش بالظالم، حتى معنى كلمة منتقم من معانيها أنه يُوقف المنحرف عند حدّه، ينتقم منه أي يقمعه، ويكفّ شره عن الناس، والمنتقم هو الذي يُحِقّ الحق.
 

الحقيقة فهمها سهل لكن أن تعيشها هذا يحتاج إلى جهد كبير:


الآن يوجد حقيقة؛ أنا من عادتي في بعض الدروس أن أضع بين أيدي الإخوة الكرام حقيقة مُركزة جداً، والحقيقة فهمها سهل، لكن أن تعيشها هذا يحتاج إلى جهد كبير، قلت مرة: كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
والله أيها الإخوة؛ لو عقلنا هذه الجملة وهي من العقيدة الصحيحة والله الذي لا إله إلا هو لا يمكن أن يدخل حزن على قلب إنسان، كل شيء وقع أراده الله، الذي وقع أراده الله، والذي لم يقع ما أراده الله، والذي أراده الله وقع، والله عز وجل حكيم، رحيم، لطيف، قدير، غني، عدل، فكل أسمائه داخلة في أفعاله، وهذا تفسير بعض العلماء حينما يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّا﴾ تدل على الجمع:   

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)﴾

[ سورة الحجر ]

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23)﴾

[ سورة الإنسان ]

﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)﴾

[ سورة يس ]

قال: إذا جاء الحديث عن الله عز وجل بصيغة الجمع فمعنى ذلك أن أفعاله كلها داخلة فيها أسماؤه الحسنى.
 

تعطيل أسماء الله عن أوصافها ومعانيها شيء مستحيل:


الآن من المحال تعطيل أسمائه عن أوصافها ومعانيها، مستحيل وألف مستحيل أن تُعطّل أسماء الله عن صفاتها، وأن تُعطّل الصفات عن مقتضياتها، الله عز وجل عدل، مستحيل ألا يكون في أفعاله عادلاً، مستحيل وألف مستحيل أن تُعطّل أسماء الله عن أوصافها ومعانيها، ومستحيل وألف مستحيل أن تُعطّل الأوصاف عما تقتضيه وتستدعيه من أفعال، وتعطيل الأفعال عن المفعولات، كما أنه يستحيل تعطيل مفعوله عن أفعاله، وأفعاله عن صفاته، وصفاته عن أسمائه، وتعطيل أسمائه وأوصافه عن ذاته، الله ذات كاملة، هذه الذات الكاملة لها أسماء، هذه الأسماء لها صفات، هذه الصفات لها أفعال، فمن عطّل فعل الله، عطّل فعل الله عن صفاته، وعطّل صفات الله عن أسمائه، وعطّل أسماء الله عن ذاته، هذا مستحيل.
 

زوال الكون أهون على الله من أن تكون جندياً له ثم لا ينصرك:


لذلك يمكن أن تستنبط حقائق وأنت مطمئن، أضرب لكم مثلاً، يكون هناك إنسان داخل بالقضاء بدعوى عمرها عشر سنوات، والأمر قضية بيت وثمنه ثلاثون مليوناً، وهناك منازعة على ملكيته بين الورثة، ويوجد وثيقة من الأب، ادّعى الخصم أنها مزورة، وجيء بخبراء للخط، قضية، وهناك غمّ وهناك همّ عند الأطراف جميعاً، قد يتصل بك المحامي، ويقول لك: الدعوى ربحت، يقول له: هل صدر القرار؟ يقول له: لا، ولكن وجدت اجتهاداً لمحكمة النقض لصالحك، أي إذا قرأ كلمتين بمجلة تصدرها وزارة العدل، وهاتين الكلمتين اجتهاد لمحكمة النقض وهي أعلى محكمة لصالح هذا المدعي، يقول لك المحامي: ربحنا الدعوى، تفاؤلاً طبعاً، وإذا كان هناك نص قرآني، قال لك:   

﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)﴾

[ سورة الأعراف ]

قال لك: 

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾

[ سورة الذاريات ]

قال لك:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾

[ سورة النحل ]

ألا تصدق؟ قال لك: 

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾

[ سورة طه ]

قال لك:  

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)﴾

[ سورة العنكبوت ]

قال لك: 

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)﴾

[ سورة النساء ]

قال لك: 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)﴾

[ سورة فصلت ]

يوجد ألف آية مطمئنة: 

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)﴾

[ سورة المائدة ]

معنى ذلك أن الله لا يعذب أحبابه، فأنت يمتلئ قلبك طمأنينة حينما تقرأ اجتهاداً لمحكمة النقض، ولا يمتلئ قلبك أمناً وسلاماً حينما تقرأ آية يَعِدّ الله بها المؤمنين بالسلامة والنصر؟! حينما قال الله عز وجل: 

﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)﴾

[ سورة الصافات ]

زوال الكون أهون على الله من أن تكون جندياً له ثم لا ينصرك، قال لك:

﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)﴾

[ سورة غافر ]

قال لك:

﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)﴾

[ سورة الأعراف ]

قال لك: 

﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)﴾

[ سورة آل عمران ]

انظر للكفار كم هم متغطرسون الآن؟ جبابرة؟ بطاشون؟ يتحدون الشعوب كلها، قال لك: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ﴾ ، ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ .
 

قضية هامة:


إخواننا الكرام؛ حينما تشهد أسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى، وتقرأ كلامه، تشعر أنك أنت أقوى إنسان، إذا معك وعد من الله، وإذا كان هناك وعيد يغطي إنساناً، يشعر هذا الإنسان أن الله مُهلكه لا محالة:

﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)﴾

[ سورة الرعد ]

الآن أيها الإخوة؛ من المستحيل تعطيل أسمائه عن أوصافها ومعانيها، وتعطيل الأوصاف عما تقتضيه وتستدعيه من الأفعال، وتعطيل الأفعال عن المفعولات، أنا أركض لأقبض على فلان، هذا فعل، لكن لم أستطع أن أقبض عليه، عطّلت الفعل عن مفعوله، هل أنتم منتبهون؟ أحفر بئراً لأصل إلى الماء، لم أصل إلى الماء، عطّلت الفعل عن مفعوله، الاسم يقتضي صفة ، والصفة تقتضي فعلاً، والفعل يقتضي مفعولاً، فمن عطّل المفعول عن فعله، والفعل عن صفته، والصفة عن اسمه، والاسم عن ذاته، هذا صفر بالإيمان.
 

أيُّ تعطيل لأسماء الله وأفعاله وصفاته هو إنكار لبعض أسماء الله الحسنى:


قال: إذا كانت أوصافه صفات كمال، وأفعاله حِكَماً ومصالح، وأسماؤه حسنى، ففرض تعطيلها عن موجباتها مستحيل في حقه، أوصافه مثلى، فُضلى، أسماؤه حسنى، أفعاله حكيمة، لذلك أي تعطيل لهذه الأسماء ولهذه الأفعال ولهذه الصفات هو إنكار لبعض أسماء الله الحسنى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)﴾

[ سورة فصلت ]

لهذا يُنكر العلماء على من عطّله عن أمره ونهيه، وثوابه وعقابه، وأنه بذلك نسبه إلى ما لا يليق به، عطّله عن أمره، رجل أنجب أولاداً، ولم يتكلم معهم بأي كلمة، أكلوا، حرقوا أنفسهم بالمدفأة، تناولوا طعاماً سيئاً، جرح يده، الأب ساكت، ضرب بعضهم بعضاً، كسروا الآنية، أكلوا طعاماً مسموماً، أمسكوا بالتيار الكهربائي فصُعقوا، الأب ساكت، هل هذا أب؟ مستحيل، الأب له أمر وله نهي، فإذا قلت: الله لم يأمر ولم ينه، أي ممكن أن تكون الآن قضية معقدة ليست مغطاة بالتشريع؟ أي الله عز وجل عطلناه عن أمره ونهيه، الله ماذا قال؟ قال تعالى: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)﴾

[ سورة النساء ]

معنى ذلك أنه ما من قضية مُتنازَع فيها إلى يوم القيامة إلا وفي الكتاب والسنّة ما يُغطي حكماً لها، لكن أقول: عَلِمه من عَلِمه وجهله من جهله، إذاً كل من عطل ذات الله عن أمره ونهيه، أو عطله عن ثوابه وعقابه.
 

من أساء الظن بالله فما عرفه أبداً:


إذا قال لك: إن الله عز وجل يعطي الحلاوة للذي ليس له أضراس، معنى ذلك أنه ليس عنده حكمة، وليس عنده عدل، معناها الإنسان المنحرف يُكرمه والمستقيم يعاقبه، يقول لك مثلاً شخص: أخي هذا ملكه، نحن ليس لنا علاقة، ممكن أن نعبده طوال حياتنا، ويضعنا بجهنم، ما هذا الكلام؟ أهكذا ظنك بالله؟ أنت من الظانين بالله ظنّ السوء، عليهم دائرة السوء، أي ينصر أعداءه ويقويهم، ويخذل أولياءه ويُضْعفهم، ويجعل الدائرة تدور على أوليائه، ويضع من استنفذ عمره كله في طاعته في النار، ومن ناصبه العِداء في الجنة، وتقول: يفعل ما يشاء، يفعل ما يريد، الملك ملكه، هكذا ظنك بالله؟ والله من ظنّ هذا الظن لا يعرف الله أبداً، إطلاقاً، هذا سوء ظن بالله، أساساً الله عز وجل قال:

﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)﴾

[ سورة آل عمران ]

وهناك أناس كثيرون نحن عبيد بملكه، إن شاء عذّبنا، وإن شاء رحِمنا، من دون ضابط؟!
 

إلزام الله عز وجل نفسه بالاستقامة:


الله قال:   

﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾

[ سورة هود ]

حيثما جاءت على مع لفظ الجلالة فتعني أن الله ألزم نفسه بالاستقامة.
 

الله عز وجل لم يخلق الخلق ويدعهم بلا أمر ولا نهي:


قال: ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ قال تعالى:

﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)﴾

[ سورة سبأ ]

انظر كم هي دقيقة؟ قال: 

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)﴾

[ سورة النساء ]

قال:  

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾

[ سورة الزلزلة ]

قال:  

﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)﴾

[  سورة غافر  ]

قال:  

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)﴾

[ سورة النساء ]

ولا نقير، ولا قطمير:

﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9)﴾

[ سورة الروم ]

﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)﴾

[ سورة لقمان  ]

هكذا، فمن عطله عن أمره ونهيه، أي هناك بعض القضايا ليس لها حكم شرعي يا أخي شيء يحيّر، أفيدونا، إذا قال: هناك قضايا ليس لها حكم شرعي، معنى ذلك أنه ما قرأ القرآن، لم يقرأ: 

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)﴾

[ سورة المائدة ]

لم يقرأ: 

﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)﴾

[ سورة الأنعام ]

لم يقرأ: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ من عطله عن أمره ونهيه، وعن ثوابه وعقابه، نسبه إلى ما لا يليق به، ونسبه إلى ما يتنزه عنه، وأن ذلك حكم سيئ ممن حكم به عليه، وأنّ من نَسَبه إلى ذلك فما قدره حق قدره، ولا عظّمه حقّ تعظيمه، كما قال تعالى في حقّ منكري النبوة، أي هل من الممكن الله عز وجل يخلق الخلق ويدعهم بلا أمر ولا نهي؟ الآية الكريمة من أدق الآيات: 

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)﴾

[ سورة الأنعام ]

عطلوا ذات الله عن الأمر والنهي، أي الله ليس له تعليمات، ليس له توجيهات، خلق الخلق سدى، قال تعالى:

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3)﴾

[ سورة القيامة ]

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)﴾

[ سورة المؤمنون ]

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)﴾

[ سورة القيامة ]

الجامعة مثلاً أليس فيها فحص ولا شهادات؟ هذا داوم، هذا لم يداوم، هذا سرق كتاباً من المكتبة، هذا قرأ الكتاب، طالب قرأه وطالب سرقه هل يستويان؟ لا يوجد حساب؟ هذا يتنزه عنه إنسان لا خالق الأكوان: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ وقال تعالى في حقّ منكري المعاد والثواب والعقاب: 

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)﴾

[ سورة الزمر ]

أي هناك حساب، هناك تسوية حسابات، هناك وقوف بين يدي الله، إنسان يعيش على أنقاض الناس، وإنسان يعيش الناس على أنقاضه كالأنبياء، هل يستويان؟ إنسان يعيش على أنقاض الناس، والأنبياء عاش الناس على دعوتهم، وعلى جهدهم، وعلى بطولتهم، وعلى بذلهم وعطائهم، وهذان عند الله سواء؟! قال تعالى: 

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾

[ سورة الجاثية ]

 

أسباب انقباض الناس:


ما أسباب انقباض الناس؟ لأنها بعيدة عن التوحيد، يشاهد قوى، وإذا رجل بعيد عن الله، وسمع ما يقوله الأقوياء، وكيف يتحدّون الشعوب الضعيفة، كيف يعيشون على أنقاض العالم، والله يختل توازن الإنسان، لكن بالتوحيد يستعيد توازنه: 

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)﴾

[ سورة إبراهيم ]

﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)﴾

[ سورة آل عمران ]

 

توظيف الله عز وجل الشر للخير المطلق:


أيها الإخوة؛ لله عز وجل في كل ما قضاه وقدَّرَه الحكمة البالغة، حكمة ما بعدها حكمة، ولكن نحن إما أن نكشف طرفاً منها أو أن نعجز عن فهم هذه الحكمة، هذا الذي جعل من بيت النبوة دار دعارة، سلمان رشدي، كيف سمح الله له بهذا؟ حبيبه سيد الخلق وحبيب الحق، سيد ولد آدم، كيف سمح لإنسان ساقط حقير من أن يجعل من بيت النبوة بيتاً للدعارة؟ عشرون ألف بريطاني أسلموا بسبب هذا الكتاب، لما قرؤوا هذا الكتاب لم يصدقوه، فبحثوا عن الحقيقة وأسلموا، الله عز وجل له حكمة بالغة، قال تعالى: 

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)﴾

[ سورة الأنعام ]

سمح الله عز وجل أن تنشر كتب فيها ضلالات، فيها انحرافات، فيها اتهامات، فيها طعن، فيها غمز، فيها لمز، وتُطبع طبعات كثيرة جداً لحكمة بالغة، هذه الكتب تعني اللقاحات للمؤمنين، اللقاح جرثوم لكنه ضعيف، الجسم يهيىء مصلاً مضاداً لهذا الجرثوم، فلما تظهر شُبهات وضلالات، فالمؤمن يبحث عن جواب، عن ردّ، يضاعف جهده، يسأل علماءه، يتحقق، يدقق فيقوى إيمانه، لذلك دائماً الله عز وجل يوظف الشر للخير المطلق، هل تصدقون أن أربعين ألف جندي أمريكي أسلموا في حرب الخليج؟ لأنك أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد، الإنسان عليه أن ينتظر حكمة الله عز وجل، لعل الله عز وجل حينما قال:

﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)﴾

[ سورة القصص ]

 

أكمل الناس عبودية لله عز وجل هو المتعبد له بجميع أسمائه وصفاته:


قال: كل اسم له تعبّد مختص به، كل اسم من أسماء الله الحسنى له اسم وتعبّد مختص به، علماً ومعرفةً وحالاً، وأكمل الناس عبودية لله عز وجل هو المتعبد له بجميع أسمائه وصفاته، أي يعبد اسم الله الحليم فيكون حليماً، ويعبد الحكيم فيكون حكيماً، ويعبد القوي فيكون قوياً في دين الله، ويعبد الرحيم فيرحم الخلق، ويعبد اللطيف فيتلطف بالخلق، ويعبد العدل فيُنصف في أحكامه، كل مؤمن إذا عبد الله بكل أسمائه حقّ العبادة فهو في الصف الأول، لا تحجبه عبودية اسم عن عبودية اسم آخر، كمن يحجبه التعبد باسم القدير عن التعبد باسمه الحليم الرحيم، الله قدير، فهو إذا بطش بطش، اعبده باسم القدير، واعبده باسم الحليم الرحيم، وقد يحجبه اسم المعطي عن اسم المانع، أو اسم المانع عن اسم المعطي، وقد يحجبه اسم الرحيم عن اسم المنتقم، أو المنتقم عن الرحيم، ويحجبه اسم التودد والبر عن اسم العدل والجبروت والعظمة والكبرياء، يجب أن تعبد الله بكل أسمائه، ما دمت قد عرفت طرفاً من كمالاته من خلال أسمائه ينبغي أن تعبده بكل أسمائه، قال: وهذه طريقة الكُمّل من السائرين إلى الله عز وجل، وهي طريقة مشتقة من قلب القرآن.
 

الثناء دعاء:


 قال تعالى: 

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾

[ سورة الأعراف ]

ادعُ الله باسم الرحيم تارة ليرحم العطشى، ادعُ الله باسم الجبار المنتقم لينتقم من الظالمين، وادعُ الله باسم اللطيف ليتلطف بنا، وادعُ الله باسم المعطي ليعطينا، اعبد الله بكل أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، والدعاء كما تعلمون يكون دعاء مسألة، ودعاء ثناء، ودعاء تعبد، فهو يدعو عباده أن يعرفوه بأسمائه وصفاته، وأن يثنوا عليه بها، ويأخذوا بحظهم من عبوديتها، ادعُ الله بأسمائه داعياً، وادعوه مُثْنياً عليه، وخذ حظاً من هذه الأسماء.
سيدنا يونس عندما لما وقع في بطن الحوت:

﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)﴾

[ سورة الأنبياء ]

أثنى على الله، فعدّ العلماء الثناء دعاء، والدليل: 

﴿ وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)﴾

[ سورة الأنبياء ]

لم يقل: يا ربي أخرجني، قال: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ قال تعالى: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ .
 

الله عز وجل يحبك أن تكون فهماً حصيفاً عاقلاً مُحصّلاً للعلم:


الآن يوجد نقطة دقيقة آخر نقطة في الدرس، الله عز وجل عليم يحب كل عليم، يحبك أن تكون فهيماً حصيفاً عاقلاً محصلاً للعلم، الله يحب العلماء، إن الله عالم يحب كل عالم، الحقيقة لن تستطيع أن تتقرب إليه إلا بأسمائه، الله رحيم يحب الرحيم، إنسان يشاهد حيواناً دُهِسَ، وعلى قيد الحياة، يحمل الحيوان، ويركب سيارة خاصة، ويذهب إلى مستشفى بيطري ويعالجه، هذه رحمة، ليس له علاقة بالحيوان، لا يوجد أي نفع يأتيه منه، الله عز وجل غفر لبغي سقت كلباً، الله يحب الرحيم.
سبحان الله! جواد يحب كل جواد، الله لا يحب البخيل، إذا أردت أن يحبك الله تقرب له بأسمائه، هو جواد، كن جواداً يحبك الله، هو عليم، اطلب العلم يحبك الله، هو رحيم، ارحم من في الأرض يرحمك الله، هو عدل، كن عادلاً مع أولادك، مع من حولك، مع موظفيك يحبك الله عز وجل.
جميل يحب الجمال، تنظّف، رجّل شعرك، تعطّر، تكون ثيابك نظيفة، حاول أن يكون هناك ألوان منسجمة، لك مظهر مقبول برّاق، الله يحبك، إن الله جميل يحبّ الجمال، بعض الناس فهموها فهماً آخر، يملأ عينيه من الحسناوات، ويقول لك: إن الله جميل يحب الجمال! هذا فهم شيطاني. 
عفو يحب العفو، الله يكره المنتقم بالمعنى الأرضي، أما المنتقم بمعنى كاسم من أسماء الله الحسنى هو الذي يقمع الظالمين، يقمعهم ويوقفهم عند حدهم، حيي يحب الحياء وأهله، هذا الوقح المتعالي المتعجرف لا يحبه الله، يحب الحيي، كان عليه الصلاة والسلام أشدّ حياءً من العذراء في خدرها، بَر، يحب الأبرار، شكور، يحب الشاكرين، صبور، يحب الصابرين، حليم، يحب الحلماء، لأنه يحبّ خلقه يتوب عليهم، ويغفر لهم، ويعفو عنهم، ويصفح عنهم، ويحب من يعفو ويتوب ويصفح من عباده.
 

لا تستطيع أن تتقرب إلى الله إلا أن تشتق من أسمائه خُلُقاً تتقرب به إليه:


أيها الإخوة؛ أرجو الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وضحت لكم هذه الحقائق.
الذات تقتضي أسماء، والأسماء تقتضي صفات، والصفات تقتضي أفعالاً، والأفعال تقتضي مفاعيل، فمن عطّل فعل الله عن مفعوله، وصفاته عن أفعاله، وأسمائه عن صفاته، وذاته عن أسمائه فقد ألحد، والله عز وجل لا يمكن أن يَصِف نفسه بصفة لا معنى لها، ما دام سمّى نفسه العدل، فصفته أنه يعدل، ويعدل له فعل، والفعل أي سينتقم من الظالم وسيُنصف المظلوم، وهناك شواهد كثيرة جداً، أي إنسانة تسكن في بيت أبيها، فجاء الأخ من بلد راقٍ جداً، معه ثروة طائلة، احتلّ البيت، غيّر ترتيبه، جدده تجديداً كاملاً، فرشه بالأثاث، ومعه زوجة، ومعه أولاد، لا يريد أخته، أخته لها حصة بالبيت، عمل حتى طردها، قال لها، اذهبي لعند أهلك، عند إخوتك، بيتها تسكن فيه، استولى على البيت، وجدد البيت، وفرشه، وهيأ كل شيء ليعيش هو وزوجته وأولاده حياة ناعمة في هذا البيت، وطرد أخته، بعد أسبوع من سكناه في البيت دخلت زوجته الحمام وصار هناك مشكلة، فارقت الحياة، وعنده أولاد، فصار يرجو أخته أن تعود إلى البيت لترعى الأولاد، يرجوها ويخاف ألا تقبل، الله عدل، طبعاً الزوجة ماتت في أجلِها، لكن انتقم منه انتقاماً شديداً، قال تعالى:

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾

[ سورة البروج ]

تعامل مع الله بهذا الفهم الدقيق، الله له ذات وله اسم وله صفة وله فعل وله مفعول، فإياك أن تقع تحت طائلة العدل، إياك أن تتعامل مع الله على أنه لا يعلم، أو على أنه لا يرحم، أو على أنه لا يعدل، إياك، ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ .
أيها الإخوة؛ هذه المنزلة منزلة شهود الأسماء والصفات، الشيء الدقيق في الدرس لا تستطيع أن تتقرب إلى الله إلا أن تشتق من أسمائه خُلُقاً تتقرب به إليه، هو عادل يحبّ العدل، هو كريم يحبّ الكرم، هو عليم يحبّ العالم، هو جميل يحبّ الجمال، هو رحيم يحبّ الرحيم، هو حليم يحبّ الحليم، لا تتقرب إلى الله إلا أن تشتق من أسمائه خلقاً يكون وسيلة لك إليه، هكذا، الله لا يقرب إلا الكامل، أما الأقوياء يقربون أي إنسان أعلن الولاء، ملك يقرب أي إنسان لكن أعلن له الولاء، أما ملك الملوك لا يقرب إلا الكامل، يا رسول الله مثِّل بهم؟ قال: لا أُمَثِّل بهم فيمثِّل الله بي ولو كنت نبياً، بقدر انضباطك يقربك الله، بقدر ورعك، النبي الكريم كان جائعاً، رأى على السرير تمرة أكلها، هكذا قرأت، قُطع الوحي عنه أسبوعين، قال: يا عائشة لعلها تمرة أكلتها من تمر الصدقة، الله يحب الورع، قال: أبو حنيفة النعمان ما وقف في ظلّ بيت مرتهن عنده، لئلا ينتفع بالرهن، ظلّ بيت، من شدة الورع، وركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط، الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور